ويجب الاعتراف بأنّ بعض الصحابة استعملوا الاجتهاد بالرأي وأكثروا بل حتى فيما خالف النصّ تصرّفاً في الشريعة باجتهاداتهم ، والإنصاف أنّ ذلك لا ينبغي أن ينكر من طريقتهم ، ولكن لم تكن الاجتهادات واضحةَ المعالم عندهم من كونها على نحو القياس ، أو الاستحسان ، أو المصالح المرسلة ولم يعرف عنهم ، على أيّ كانت اجتهاداتهم ، أكانت تأويلاً للنصوص ، أم جهلاً بها ، أم استهانة بها؟ ربّما كان بعض هذا أو كلّه من بعضهم ، وفي الحقيقة إنّما تطوّر البحث عن الاجتهاد بالرأي في تنويعه وخصائصه في القرن الثاني والثالث. (١)
إنّ هنا اجتهادات حُكيت من الصحابة لا يصحّ حملها على القياس :
١. تحريم المتعتين : قال عمر بن الخطاب : متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا محرّمهما ومعاقب عليهما.
٢. جعل عمر الطلاق الثلاث ، ثلاثاً مع أنّه كان في عصر الرسول وخلافة أبي بكر وسنتين من خلافته ، واحدة.
٣. قطع أيضاً سهم المؤلّفة قلوبهم.
٤. إلغاء الحيعلة وهو قول : «حيّ على خير العمل» من الأذان. (٢)
وغيرها.
وليس الاجتهاد فيها مبنيّاً على القياس بل الاستحسان المطلق.
وقد ذكر الغزالي مواضع من اجتهادات الصحابة وحاول تطبيقها على القياس بجهد بالغ غير ناجح ، لأنّ أكثرها بعيد عن القياس.
نعم روي عن عمر انّه كتب في رسالته إلى أبي موسى الأشعري : اعرف
__________________
(١) أُصول الفقه : ٢ / ١٧٢.
(٢) لاحظ للوقوف على تفصيل هذه الأُمور : كتاب «النص والاجتهاد» للسيد شرف الدين ، وكتاب «الاعتصام بالكتاب والسنّة» للمؤلّف ، وغيرهما.