بذل الجهد للوقوف على ملاك الحكم ومناطه الذي يقع التشريع وراءه وهو يكون أساساً لعملين :
١. إسراء الحكم ممّا فيه النصّ إلى ما ليس فيه إذا كان حائزاً للمناط ، وهنا تلتقي المصالح المرسلة مع القياس.
٢. تقييد إطلاق النص بالمناط والاسترشاد بالمصلحة والأخذ بروح القانون لا بحرفيّته.
لكن تنقيح المناط في كلا الموردين محظور جداً سواء كان أساساً للقياس ، أو كان سبباً لتقييد الدليل ، فإنّ عقول الناس أقصر من أن تحيط بالمصالح والمفاسد فيكون الاستصلاح في كلا الموردين تشريعاً محرماً وباطلاً.
وعلى هذا الأساس المنهار ، منع الخليفة إعطاء المؤلّفة قلوبهم في أيّام خلافته قائلاً بأنّ مناط الحكم هو ضعف المسلمين وشوكة الكافرين فيصرف شيء من الزكاة فيهم ، لكي يستعان بهم على الكفار ، وهو منتف الآن. وبهذا ، قيّد إطلاق الآية : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١) وخصّصها بصورة الضعف وأخرج صورة القوّة.
والاستصلاح بهذا المعنى ، فوق ما يرومه الأُصوليون من أهل السنّة ، وقد عرفت أنّ الإمام مالكاً خصّ العمل به بما إذ توفّرت فيه الشروط الثلاثة التي منها أن لا تنافي إطلاق أُصول الشرع ولا دليلاً من أدلّته.
فتلخص انّ الاستصلاح بالمعنى الأوّل والمعنى الثاني بكلا قسميه خارج عمّا هو محط البحث لدى الأُصوليين ، وإليك سائر الأقسام.
__________________
(١) التوبة : ٦٠.