إنّ ذهاب الحنفية إلى هذه القاعدة أثار حفيظة الآخرين ، ممّا حدا بالبخاري أن يعقد باباً خاصّاً للرد على القاعدة معبّراً عن أبي حنيفة ، بقوله : «قال بعض الناس» وإليك الباب وما فيه :
«باب» إذا غصب جارية فزعم أنّها ماتت ، فقُضي بقيمة الجارية الميتة ، ثمّ وجدها صاحبها فهي له ويرد القيمة ، ولا تكون القيمة ثمناً ـ ثمّ أضاف البخاري قائلاً : وقال بعض الناس : الجارية للغاصب لأخذه القيمة ، وفي هذا احتيال لمن اشتهى جارية رَجل لا يبيعها فغصبها واعتلّ بأنّها ماتت حتى يأخذ ربُّها قيمتها ، فيطيب للغاصب جارية غيره ، قال النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : «أموالكم عليكم حرام ، ولكلّ غادر لواء يوم القيامة». (١)
ومن أكثر الناس ردّاً للحيل الحنابلة ، ثمّ المالكية ، لأنّهم يقولون بسدِّ الذرائع ، وهو أصل مناقض للحيل تمام المناقضة.
يقول ابن القيم : إنّ هؤلاء المحتالين الذين يُفتون بالحيل التي هي كفر أو حرام ، ليسوا مقتدين بمذهب أحد من الأئمّة ، وانّ الأئمّة أعلم بالله ورسوله ودينه وأتقى له من أن يفتوا بهذه الحيل (٢) ، فقد قال أبو داود في مسائله : سمعتُ أحمد وذكر أصحاب الحيل يحتالون لنقض سنن رسول الله ، وقال في رواية أبي الحارث الصانع : هذه هي الحيل التي وضعوها ، عَمِدوا إلى السنن واحتالوا لنقضها.
والشيء الذي قيل لهم انّه حرام احتالوا فيه حتى أحلّوه ، قالوا : الرهن لا
__________________
(١) صحيح البخاري : ٩ / ٣٢ ، كتاب الإكراه.
(٢) لا يخفى ما في كلامه من المبالغة فإنّ الحنفية ـ وعلى رأسهم أبو حنيفة ـ قد ابتدعت تلك القاعدة ، فكيف نزّهه عنها؟