أوّلاً : فلأنّه جعل الملاك اتّفاق الأُمّة ، ومن المعلوم أنّ اتّفاقهم بعامّة أصنافهم حجّة إمّا برأسها أو لكشفها عن الدليل ، وأين هو من اتّفاق المجتهدين منهم في عصر واحد ، أو اتّفاق أهل الحديث كما في رأي مالك ، أو اتفاق أهل الحرمين (مكة والمدينة) أو أهل المصرين (الكوفة والبصرة) ، أو اتّفاق الشيخين ، أو اتّفاق الخلفاء الأربع؟! (١)
وثانياً : أنّ المنقول مسنداً هو لفظ «الضلالة» لا لفظ «الخطأ» أو «على غير هدى» وإنّما جاء الخطأ في غير الكتب الحديثية.
وعلى ذلك فالحديث على فرض ثبوته يرجع إلى المسائل العقائدية التي عليها مدار الهداية والضلالة ، أو ما يرجع إلى صلاح الأُمّة من وحدة الكلمة والاجتناب عن التشتت فيما يمس وحدة المسلمين.
وأمّا المسائل الفقهية فلا يوصف المصيب والمخطئ فيها بالهداية والضلالة كما لا يكون مصير الشاذ فيها هو النار أو لا يكون الشاذ نصيب الشيطان.
وعلى ذلك فالاستدلال به على حجّية الإجماع في المسائل الفقهية كما ترى.
ثالثاً : لو سلمنا سعة دلالة الحديث فالمصون من الضلالة هو الأُمّة بما هي أُمّة ، لا الفقهاء فقط ، ولا أهل العلم ، ولا أهل الحلّ والعقد ، وعلى ذلك ينحصر مفاد الحديث بما اتّفقت عليه جميع الأُمّة من العقائد والأُصول.
رابعاً : أنّ مصونية الأُمّة كما يمكن أن يكون سببه كمال عقلها ، يمكن أن يكون لوجود معصوم فيهم ، والرواية ساكتة عنه ، فلا يمكن أن يستدلّ بالرواية على أنّ الأُمّة مع قطع النظر عن المعصوم مصونة عن الخطأ ، بل لما ثبت في محله انّ الزمان لا يخلو من إمام معصوم تكون عصمة الأُمّة بعصمة الإمام ـ عليهالسلام ـ.
__________________
(١) أُصول الفقه للخضري : ٢٧٠.