وأمّا على التقدير الثاني ، فإنّ تلك الفقرة وإن كانت ناظرة لحال الطلاق الثالث ، وساكتة عن حال الطلاقين الأوّلين ، لكن قلنا : إنّ بعض الآيات ، تدلّ على أنّ مضمونها من خصيصة مطلق الطلاق ، من غير فرق بين الأوّلين والثالث ، فالمطلّق يجب أن يُتبعَ طلاقه بأحد أمرين :
قال سبحانه : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ). (١)
١. الإمساك بمعروف.
٢. التسريح بإحسان.
فالمحصّل من المجموع هو كون إتباع الطلاق بأحد أمرين من لوازم طبيعة الطلاق الذي يصلح للرجوع.
ويظهر ذلك بوضوح إذا وقفنا على أنّ قوله : (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) من القيود الغالبية ، وإلاّ فالواجب منذ أن يطلّق زوجته ، هو القيام بأحد الأمرين ، لكن تخصيصه بزمن خاص وهو بلوغ آجالهن ، هو لأجل أنّ المطلّق الطاغي عليه غضبه وغيظه ، لا تنطفئ سورة غضبه فوراً حتى تمضي عليه مدّة من الزمن تصلح فيها لأن يتفكّر في أمر زوجته ويخاطب بأحد الأمرين ، وإلاّ فطبيعة الحكم الشرعي : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) تقتضي أن يكون حكماً سائداً على جميع الأزمنة من لدن أن يتفوّه بصيغة الطلاق إلى آخر لحظة تنتهي معها العدّة.
وعلى ضوء ما ذكرنا تدلّ الفقرة على بطلان الطلاق الثلاث وأنّه يخالف الكيفية المشروعة في الطلاق ، غير أنّ دلالتها على القول الأوّل بنفسها ، وعلى القول الثاني بمعونة الآيات الأُخر.
__________________
(١) البقرة : ٢٣١.