والمكانة عند السّلطان والمتقدّمين ، لم يزل ملحوظا بعين الإكرام مشمولا من الدّيوان العزيز ـ مجّده الله ـ بسوابغ الإنعام إلى أن اقتضت الآراء الشّريفة النّاصرية ـ أسماها الله وأجلّها ـ تأهيله للوزارة ، فاستدعي من داره يوم السّبت لسبع خلون من شعبان من سنة أربع وثمانين وخمس مئة إلى دار الخلافة المعظّمة شيّد الله قواعدها بالعز ـ ومثل بباب الحجرة الشّريفة ، وحضر أرباب المناصب والولايات والحجّاب وأتباع الدّيوان العزيز والقضاة والأعيان ، وأفيضت عليه الخلع المعدّة له اللائقة بهذا المنصب ، فكانت : قميصا أطلس ، وفرجية ممزّج ، وعمامة قصب كحليّة بأعلام ذهب ، وقلّد سيفا محلى ، وأنطي (١) مركوبا من المراكب الشّريفة ، وسلّم إليه عهده بتوليه الوزارة ولقّب معز الدّين. فركب من هناك ومشى بين يديه سائر أرباب الولايات إلى الدّيوان العزيز ـ مجّده الله ـ وجلس في دست الوزارة بالإيوان الذي يجلس فيه الوزراء ، وكتب إنهاء إلى العرض الأشرف المقدّس النّاصري ـ زاده الله شرفا ـ يتضمّن شكر ما أنعم عليه ، ويذكر حضوره بالدّيوان العزيز ـ مجّده الله ـ منفّذا ما يؤمر به من المراسم الشّريفة ، ودفعه إلى حاجب الباب أبي شجاع محمد بن سعيد ابن الظّهيري ، فنهض في الحال ، وقصد باب الحجرة الشّريفة ، وعرضه ، وبرزت المطالعة الشّريفة عقيب ذلك بالوقوف عليه ، وعلم ما أنهاه ، فقرئ ذلك بحضور الجماعة.
ونهض الوزير بعد ذلك إلى الدّار المعدّة له بباب النّوبي ، وتعرف بسكنى قيماز الملقب قطب الدين ، وداوم الرّكوب إلى الدّيوان العزيز ـ مجّده الله ـ والقيام بمراسم الخدمة الشّريفة. وبسط العدل ، وقرّب أهل العلم ، واستجلب الأدعية الكثيرة للخدمة الشّريفة الإماميّة النّاصرية ، خلّد الله ملكها واستجاب فيها دعاء كلّ عبد مخلص.
__________________
(١) أنطى : أعطى ، وبها قرئ شاذا(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ، وروي في الحديث : «لا مانع لما أنطيت» ، وهي لغة اليمن على ما قاله الجوهري ، وتستعمل اليوم في العراق.