الانتحال ، وحصحص الحقّ وذهب المحال ، وقد طولعت بكل بشرى وبشر ، وزفّت هند منك إلى بشر ، فلله من عشيّة تمتّعت من الربيع بفرش موشيّة ، وابتذلت (١) منها أي وساد وحشية ، وقد أقبل ظبي الكناس ، من الدّيماس ، ومطوق الحمام ، من الحمّام ، وقد حسّنت الوجه الجميل التّطرية (٢) ، وأزيلت عن الفرع الأثيث الإبرية (٣) ، وصقلت الخدود فهي (٤) كأنها الأمرية (٥) ، وسلّط الدّلك على الجلود ، وأغريت النّورة بالشّعر المولود ، وعادت الأعضاء يزلق عنها اللّمس ، ولا تنالها البنان الخمس ، والسّحنة يجول في صفحتها الفضّيّة ماء النعيم ، والمسواك يلبّي من ثنيّة التّنعيم والقلب يرمي من الكفّ الرّقيم (٦) بالمقعد المقيم ، وينظر إلى نجوم الوشوم ، فيقول : إني سقيم. وقد تفتّح ورد الخفر ، وحكم لزنجي الظّفيرة بالظّفر ، واتّصف أمير الحسن بالصّدود المغتفر ، ورشّ بماء الطّيب ، ثم أعلق بباله دخان العود الرّطيب. وأقبلت الغادة ، يهديها اليمن وتزقّها السعادة ، فهي تمشي على استحياء وقد ذاع طيب الريّا ، وراق حسن المحيّا ، حتى إذا نزع الخفّ ، وقبّلت الأكفّ ، وصخب (٧) المزمار وتجاوب الدّف ، وذاع الأرج ، وارتفع الحرج ، وتجوّز اللّوا والمنعرج ، ونزل على بشر بزيارة هند الفرج ، اهتزّت الأرض وربت ، وعوصيت الطّباع البشرية فأبت. ولله درّ القائل (٨) : [المتقارب]
ومرّت فقالت (٩) : متى نلتقي؟ |
|
فهشّ اشتياقا إليها الخبيث |
وكاد يمزّق سرباله |
|
فقلت : إليك يساق الحديث (١٠) |
فلمّا انسدل جنح الظلام ، وانتصفت من غريم العشاء الأخيرة فريضة الإسلام (١١) ، وخاطت خيوط المنام ، عيون الأنام ، تأتّى دنوّ الجلسة ، ومسارقة الخلسة ، ثم عضّة النهد ، وقبلة الفم والخدّ ، وإرسال اليد من النّجد إلى الوهد ،
__________________
(١) في النفح : «وأبدلت منها أي آساد وحشية».
(٢) في الأصل : «النظريّة». وتطرية الوجه : تحسينه وتزيينه. لسان العرب (طرا).
(٣) الفرع : الشّعر. الأثيث : الكثير ، والمراد هنا شعر الرأس. الإبرية : قشر الرأس يسقط عند المشط. محيط المحيط (فرع) و (أثث) و (برى).
(٤) كلمة «فهي» غير واردة في النفح.
(٥) الأمرية : المرايا ، جمع مرآة.
(٦) الرقيم : المزيّن. لسان العرب (رقم).
(٧) في الأصل : «وصحب» والتصويب من النفح.
(٨) البيتان لبشار بن برد ، وهما في ديوانه (ص ٢٨٩).
(٩) في الديوان : «فقلت».
(١٠) أخذ عجز البيت من المثل : «إليك يساق الحديث». مجمع الأمثال (ج ١ ص ٤٨).
(١١) في النفح : «السلام».