وكانت الإمالة القليلة قبل المدّ ، ثم الإفاضة فيما يغبط ويرغب ، ثم الإماطة لما يشوّش ويشغب ، ثم إعمال المسير ، إلى السّرير (١) : [الطويل]
وصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا |
|
ورضت فذلّت صعبة أيّ إذلال |
هذا (٢) بعد منازعة للأطواق يسيرة ، يراها الغيد من حسن السيرة ، ثم شرع في حلّ (٣) التّكة ، ونزع الشّكة ، وتهيئة الأرض العزاز (٤) عمل السّكة ، ثم كان الوحي والاستعجال ، وحمي الوطيس والمجال ، وعلا الجزء الخفيف ، وتضافرت الخصور الهيف ، وتشاطر الطّبع العفيف ، وتواتر التقبيل ، وكان الأخذ الوبيل ، وامتاز الأنوك من النّبيل ، ومنها جائر وعلى الله قصد السّبيل ، فيا لها من نعم متداركة ، ونفوس في سبيل القحة متهالكة ، ونفس يقطّع حروف الحلق ، وسبحان الذي يزيد في الخلق ، وعظمت الممانعة ، وكثرت باليد المصانعة ، وطال التّراوغ والتّزاور ، وشكي التجاور (٥) ، وهنالك تختلف الأحوال ، وتعظم الأهوال ، وتخسر أو تربح الأموال ، فمن عصا تنقلب ثعبانا مبينا ، ونونة (٦) تصير تنينا ، وبطل لم يهله (٧) المعترك الهائل ، والوهم الزائل ، ولا حال بينه وبين قرّته (٨) الحائل ، فتعدّى فتكة السّليك إلى فتكة البرّاض ، وتقلّد مذهب الأزارقة (٩) من الخوارج في الاعتراض ، ثم شقّ الصفّ ، وقد خضّب الكفّ ، بعد أن كاد يصيب البريّ (١٠) بطعنته ، ويبوء بمقت الله ولعنته (١١) : [الطويل]
طعنت ابن عبد الله طعنة ثائر |
|
لها نفذ لو لا الشعاع أضاءها |
وهناك هدأ القتال ، وسكن الخبال ، ووقع المتوقّع فاستراح البال ، وتشوّف إلى مذهب الثنوية من لم يكن للتّوحيد بمبال ، وكثر السؤال عن البال ، بما بال ، وجعل الجريح يقول : وقد نظر إلى دمه ، يسيل على قدمه : [البسيط]
إنّي له عن دمي المسفوك معتذر |
|
أقول : حمّلته في سفكه تعبا |
__________________
(١) البيت لامرىء القيس وهو في ديوانه (ص ٣٢).
(٢) في النفح : «وهذا».
(٣) كلمة «حلّ» ساقطة في النفح.
(٤) في الأصل : «الغرار» والتصويب من النفح ، والأرض العزاز : الأرض الصلبة. لسان العرب (عزز).
(٥) في النفح : «التحاور».
(٦) النونة : السمكة. لسان العرب (نون). وفي النص كنايات تنطوي على الغمز والسخرية.
(٧) في النفح : «يهمله».
(٨) في النفح : «قرنه».
(٩) الأزارقة : فرقة من فرق الخوارج منسوبة إلى نافع بن الأزرق. الملل والنحل (ج ١ ص ١١٨).
(١٠) في النفح : «البوسى بطعنته».
(١١) البيت لقيس بن الخطيم ، وهو في ديوانه (ص ٧).