واللّبانات تلين وتجمح ، والمآرب تدنو وتنزح ، وتحرن ثم تسمح (١) ، وكم من شجاع خام (٢) ، ويقظ نام ، ودليل أخطأ الطريق ، وأضلّ الفريق ، والله عزّ وجلّ يجعلها خلّة موصولة ، وشملا أكنافه بالخير مشمولة ، وبنية أركانها لركاب (٣) اليمن مأمولة ، حتى يكثر (٤) خدم سيدي وجواريه ، وأسرته وسراريه ، وتضفو عليه نعمة (٥) باريه ، ما طورد قنيص ، واقتحم عيص (٦) ، وأدرك مرام عويص (٧) ، وأعطي زاهد وحرم حريص ، والسّلام.
تواليفه : شرح (٨) القصيدة المسماة بالبردة (٩) شرحا بديعا ، دلّ فيه على انفساح ذرعه ، وتفنّن إدراكه ، وغزارة حفظه. ولخّص كثيرا من كتب ابن رشد. وعلّق للسلطان أيام نظره في العلوم (١٠) العقلية تقييدا مفيدا في المنطق ، ولخّص محصّل الإمام فخر الدين ابن الخطيب (١١) الرازي. وبذلك (١٢) داعبته أول لقية لقيته (١٣) [ببعض منازل الأشراف ، في سبيل المبرّة بمدينة فاس ،](١٤) فقلت له : لي عليك مطالبة ، فإنك لخّصت «محصّلي». وألّف كتابا في الحساب. وشرع في هذه الأيام في شرح الرّجز الصادر عني في أصول الفقه ، بشيء لا غاية وراءه (١٥) في الكمال. وأمّا نثره وسلطانيّاته ، مرسلها ومسجعها (١٦) ، فخلج بلاغة ، ورياض فنون ، ومعادن إبداع ، يفرغ عنها يراعه الجريء ، شبيهة البداءات بالخواتم ، في نداوة الحروف ، وقرب العهد بجرية المداد ، ونفوذ أمر القريحة ، واسترسال الطبع. وأما نظمه ، فنهض لهذا العهد قدما في ميدان الشّعر ، وأغري (١٧) نقده باعتبار أساليبه ؛ فانثال عليه جوّه ، وهان عليه صعبه ، فأتى منه بكل غريبة. من (١٨) ذلك قوله يخاطب السلطان ملك المغرب ليلة الميلاد الكريم عام اثنين وستين وسبعمائة
__________________
(١) تسمح : هنا بمعنى تلين.
(٢) خام : جبن. محيط المحيط (خيم).
(٣) في النفح : «لركائب».
(٤) في النفح : «تكثر».
(٥) في النفح : «نعم».
(٦) العيص : الشجر الكثير الملتفّ. لسان العرب (عيص).
(٧) العويص : الصعب. لسان العرب (عوص).
(٨) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣١٥ ـ ٣١٦).
(٩) في النفح : «شرح البردة ...».
(١٠) في النفح : «في العقليات».
(١١) في النفح : «فخر الدين الرازي».
(١٢) في النفح : «وبه».
(١٣) في النفح : «أول لقيه».
(١٤) ما بين قوسين ساقط في النفح.
(١٥) في النفح : «فوقه».
(١٦) في النفح : «وسلطانياته السجعية».
(١٧) في النفح : «الشّعر ، ونقده ...».
(١٨) في النفح : «غريبة. خاطب السلطان ...».