استيطانهم ، إلى حدود المائة السابعة ، فتسبّب في الانتقال من بقي منهم ، وهو جدّي الأقرب الأنساب ، وقضى ارتحاله إلى مدينة وادي آش ، ولكل أجل كتاب ، وذلك أنه استقضي بنظر ما في دولة أمير المسلمين الغالب بالله (١) ، أول ملوك هذه الدولة النصرية ، نصر الله خلفها ، ورحم سلفها ، فاتخذ فيها صهرا ونسبا ، وكان ذلك لاستيطانه بها سببا ، واستمرّ مقامه بها إلى أن ارتحل إلى المشرق لأداء الفريضة فكان إلى أشرف الحالات مرتحله ، وقضى في إيابه من الحج أمله. واستمرّت به الاستيطان ، وتعذّرت بعوده إلى غرناطة بعدما نبت فيها الأوطان. على أنه لم يعدم من الله السّتر الجميل ، ولا حظّ من عنايته بإيصال النّعمة كفيل ، فإنه سبحانه حفظ من سلف فيمن خلف ، وجعلهم في حال الاغتراب فيمن اشتهر بنباهة الحال واتّصف ، وقيّض لمصاهرتهم من خيار المجد والشرف ، وبذلك حفظ الله بيتهم ، وشمل باتصال النّعمة حيّهم وميتهم. فالحمد لله ، بجميع محامده ، على جميل عوائده. وتخلّف بوادي آش أبي وأعمامي ، تغمّدهم الله وإياي برحمته ، وجمع شملنا في جنّته.
وأمّا التعريف بهم ، فأنت أبقاك الله ، بمن سلف قديما منهم أعلم ، وسبيلك في معرفتهم أجدى وأقوم ، بما وهبكم الله من عوارف المعارف ، وجعل لكم من الإحاطة بالتالد منها والطّارف. وأمّا من لم يقع به تعريف ، ممن بعدهم ، فمن اقتفى رسمهم في الطريقة العلمية ، ولم يتجاوز جدّهم ، وهو جدّي أبو بكر عبد الله بن طلحة ورابع أجدادي. كان ، رحمه الله ، ممن جرى على سنن آبائه ، وقام بالعلم أحسن قيام ونهض بأعبائه. ألّف كتابا في «الرقائق» ، ففات في شأوه سبق السابق ، وتصدّر ببلده للفتيا ، وانتفع به الناس ، وكان شيخهم المقدّم. ولم أقف على تاريخ مولده ولا وفاته ، غير أنه توفي في حدود المائة الخامسة ، رحمه الله. وأمّا من بيني وبينه من الآباء ، كجدّي الأقرب وأبيه ومن خلفه من بنيه ، فما منهم من بلغ رتبة السّابق ، ولا قصر أيضا عن درجة اللّاحق ، وإنما أخذ في الطلب بنصيب ، ورمى فيه بسهم مصيب.
وأما مولدي (٢) ، فبوادي آش ، في أواخر عام تسعة وسبعمائة. وفي عام ثلاثة وعشرين ، ابتدأت القراءة على الأستاذ أبي عبد الله الطّرسوني وغيره ممن يأتي ذكره. ثم كتبت بعد ستة أعوام على من وليها من القضاة ، أولي العدالة والسّير المرتضاة ،
__________________
(١) هو أبو عبد الله محمد بن يوسف ، أول سلاطين بني نصر بغرناطة ، حكم من سنة ٦٣٥ ه إلى سنة ٦٧١ ه. اللمحة البدرية (ص ٤٢).
(٢) قارن بنفح الطيب (ج ١٠ ص ١٣٩).