اللقاء بين الأمير ومصطفى بن إسماعيل
ثم بعث لمصطفى بن إسماعيل يأتيه آمنا مطمئنّا ليجتمع به بمجلسه ويكون الكلام بينهما منفردين ، فجاءه واجتمع به وحده بغير مين ، ولما اجتمع به مصطفى وتأمّل في أحواله ألفاه لا زال من جملة الصبيان ، وأنه بعيد عن الملك ومرتبة السلطان ، فكان أوّل ما فاه (كذا) به مصطفى بأن قال له أيها الأمير إذا تصغى لكلامي بأذنيك وترسخه في قلبك وأردت الراحة لنا ولنفسك فانعم على الدواير بأرض غير ملاتة يعمرونها ، وأحسن إليهم بالإحسان التي يشكرونها ، أمّا أن تبقيهم بنواحي تلمسان ، وهم في قبضتك على كل ما كان ، وأمّا أن تنقلهم لنواحي تيارت ، فتجعلهم بين أولاد الشريف وأولاد الأكرد ولك الأجر الثابت ، فإن فعلت ذلك فأنا ضامن لك إن شاء الله تعالى / الطاعة والإذعان ، وإن خالفت فأنا بريء مما يؤدي إلى وقد النيران ، لأنهم مخزن وأعيانهم تولّعوا بلبس الملف والحرير والكتان ، وشرب الدخان وشمّه والأتاي والقهوة ، وإن رددتّهم إلى ملاتة وأنزلتهم بها كالعادة وهي قريبة من وهران فربما تحصل منهم بعض المخالطة مع بعض أعيان النصارى بذهابهم لها وتحصل لنا ولك الفهوة ، ولا يخفاك الحال أن النصارى أهل سياسة وفطانة وكياسة ، لا سيما الفرانسيس ، فإنهم أشد الأجناس في الفطانة والكياسة والرغبة في الخلفة وبذل المال والسياسة والمسامرة والتأنيس ، ومع طول المدة تنعقد بينهم وبينهم المحبّة والموّدة ، والمخالطة التامة في الرخاء والشدة ، وتحسب الظلم لنا جميعا ، وها أنا لك الآن مذعنا مطيعا ، لا نخالف لك أمرا ، ولا أركبك وزرا ، وربما بعض الوشاة يلقي بمسامعك ما يضرك به فيتغير خاطرك ممّا يستقر فيه ، فتغضب عليهم ونرجع معك للحال الذي كنّا فيه ، وأنا أعلم بك أنك مثل الصبي الصغير في عامه الأول ، كل من يبوّص لك ويقول لك أغ تضحك له ظنا منك أنه لك هو النصاح الأعدل ، فالأحسن أن تفعل ما ذكرته لك فإن أرضاك الرأي فنعما هي ، وإن بعثتهم لوطنهم فأنا أبقى هنا بتلمسان ولا أدخل في سوقك ولا سوقهم بشيء ، ولمّا سمع الحشم وبنوا عامر كلامه ، قالوا للأمير لا تثق به فقد سأل المواضع التي تكون بها كلمته مسموعة ويده قوية فيرسل عليه انتقامه ، وكان مراد الأمير يدخل الدواير والزمالة لبلادهم ولا يضف (كذا) أحدا إليهم ويبقى بني عامر دونهم مجاورين له كالعسة