شاء الله يفعل الله ما يريد ، ثم افترقوا وبات كل منهم بمحل ، وهم من كلام الحاج المزاري في خجل.
قال ومن الاتفاق العجيب ، الذي لا يعلم به إلّا السميع القريب ، إن إسماعيل ولد قادي صاحب الحالة الفريدة ، كان تخلّف عن الدواير وجاء إلى الحاج المزاري من غير علم بالمكيدة ، فبمجرد دخوله عليه تقبّض به وأوثقه في الحديد ، وصيّره في حالة الذل الجديد ، وأركبه على بغلة بالتحرير وانتقل به إلى ملاتة بكرة كأنّه الأسير ، فاتفق إذ ذاك البحايثية على التعصّب وأنف من الدواير والزمالة جميع الأعيان ، وجدّوا في السير في أثر الحاج المزاري لتخليص صاحبهم من يده بغير توان ، فتعرّضوا له بالتعرّض المنيف ، وبعثوا له فارسا شجاعا من عندهم يقال له الحبيب بالشريف ، وهذا الرجل من الكراطة أهل الرياسة ، الذين لهم نوبة مع البحايثية أهل السياسة ، فقال له على لسانهم ما فيه تسبيله ، يا آغة لا بد لك أن تطلق إسماعيل من قيده وتترك سبيله ، فإننا لا نتركه يذهب معك لا على هذه الحالة ولا غيرها لدى الأمير ، إلّا إذا أتى الفناء لنا على الكبير والصغير ، فأجابهم الحاج المزاري بقوله ، يا هؤلاء القوم اتقوا الله في الأمر وارجعوا لقوّته وحوله ، أتحسبون أنكم لا زلتم قائمين على أذرعتكم وكل منكم في استطاعته ، أفلا تعلمون أنكم في حكم السلطان وتحت طاعته ، ثم بعث للعرب أعيان الدوائر يحرضهم بقوله في الإعلان ، أنّ البحايثية والكراطة أرادوا أن يستخلصوا من يدي مربوط الأمير وأظهروا العصيان ، فإن كنتم على الطاعة الواجبة عليكم فاحملوا أسلحتكم وانصروني على البحايثية وقاتلوهم معي وأنا أولكم فإني لا أقدر عليهم وحدي للفراغ ، وإن كنتم عصاة مثلهم فأخبروني فأنا رسول الأمير إليكم وكبيركم وما على الرسول إلّا البلاغ ، وهؤلاء الحشم السادات ، يشهدون عليّ وعليكم في الحياة وبعد الممات ، فقالوا له أكتب للسلطان أو اذهب إليه وأخبره بأننا لا نعطوه إسماعيل ولد قادي ولا غيره حتى تبقى لنا سولة وأسوة ، وإن شاء الله الفداء فنزنه له ذهبا فنحن مع البحايثية يد واحدة وكلنا أخوة ، وقد عرفنا أن الأمير يحوم علينا دائما حومة الأطيار ، ومراده أن يخلف منا بانتقامه الثار ، فلا نتخلص منه نحن ولا أنتم ، وهو يترقب أحوالكم ليطلع على ما أسررتم وما أعلنتم ، وقد سلّطه الله تعالى بغير ريبي ، على الدواير