انسداد باب العلم مع بقاء التكليف بالضّرورة ، وقبح تكليف ما لا يطاق يوجب جواز العمل بالظنّ في الأحكام بعد التفحّص والتجسّس عن الأدلّة ، وحصول الظنّ بسبب رجحان الدّليل على المعارضات أو بسبب أصالة عدم معارض آخر ؛ فكذلك في ماهيّة العبادات. وكما لا يمكن في ماهية العبادات التمسّك بالأصل قبل الفحص والتّفتيش واستفراغ الوسع ؛ فكذلك لا يمكن ذلك في نفس الأحكام ، وسيجيء الكلام في ذلك مستقصى في مباحث التخصيص ومباحث الاجتهاد والتقليد.
فنقول : إنّه لا مانع من إجراء أصالة العدم في إثبات ماهيّة العبادات كنفس الأحكام ، إذ لو قيل : إنّ المانع هو أنّ اشتغال الذمّة بالعبادة في الجملة قاطع لأصالة العدم السّابق ، فيصير الأصل بقاء شغل الذمّة حتّى يثبت المبرئ ، فمثله موجود في الأحكام أيضا ، فإنّ اشتغال الذمّة بتحصيل حقيقة كلّ واحد واحد من الأحكام الذي علم إجمالا بالضرورة من دين محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم قاطع ، ولذلك اشترطوا في إعمال أصل البراءة وأصالة العدم في الأحكام الشرعيّة ، الفحص عن الأدلّة أوّلا ، فنحن نعلم جزما أنّ لغسل الجمعة مثلا حكما من الشارع ولا نعلمه ، فبعد البحث والفحص وعدم رجحان دليل الوجوب نقول : الأصل عدم الوجوب ، والأصل عدم معارض آخر يترجّح على ما ظهر علينا من أدلّة الاستحباب ، ولا يمكننا ذلك قبله ولا يوجب امتزاج أمور متعدّدة (١) وثبوت حكم فيها الفرق في ذلك.
فكما نتفحّص من حكم المفرد وبعد استفراغ الوسع نستريح الى أصل البراءة
__________________
(١) لعلّ هذا جواب سؤال وهو إن امتزج أمور متعددة كما في ماهيّة العبادات حيث ركبت من أجزاء وشرائط لعلّه يوجب الفرق بين الحكم والماهيّة في إجراء الأصل في الأول وعدم إجرائه في الثاني.