وأيضا : المراد من الاستعمال في الشيء هو الاستعمال قصدا لا الاستعمال فيما يستتبعه ويستلزمه تبعا ، كما لا يخفى.
وقد يعترض أيضا (١) : بأنّ النزاع المفيد في هذا المقام هو أنّه هل يجوز استعمال اللّفظ في الموضوع له وغيره ، أم لا؟ وليس يلزم في كلّ ما استعمل في غير الموضوع له أن يكون له قرينة مانعة عن إرادة الموضوع له ، غاية الأمر أن يسمّى ذلك استعمال اللّفظ في المعنى الحقيقي والكنائي لا الحقيقي والمجازي ، فإنّ الكناية أيضا استعمال اللّفظ في غير الموضوع له مع جواز إرادة ما وضع له ، فلم يثبت عدم جواز الاستعمال بالتزام القرينة المعاندة للحقيقة ، لعدم ضرورة الالتزام.
والجواب عن ذلك :
أمّا أوّلا ، فبما قيل : إنّه إنّما يتمّ لو قلنا أنّ الكناية هي إرادة المعنى الغير الموضوع له من اللّفظ مع جواز إرادة الموضوع له ، فيتمّ حينئذ جواز إرادة المعنيين من اللّفظ بلا احتياج الى القرينة المانعة.
وأمّا إن قلنا : بأنّها إرادة المعنى الحقيقي لينتقل منه الى المعنى المجازي ؛ فلا ، إذ لا ينفكّ حينئذ استعمال اللّفظ في غير ما وضع له عن القرينة المانعة عن إرادة ما وضع له ، فلا يصحّ فرض المعترض ؛ إذ اللّفظ لم يستعمل حينئذ في المعنى الموضوع له والغير الموضوع له معا.
__________________
ـ الاشارة كدلالة قوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً.) مع قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) على كون أقلّ الحمل ستة أشهر ، فإنّه غير مقصود فى الآيتين ، إذ المقصود في الآيتين ، إذ المقصود في الآية الأولى بيان تعب الأم ومشقتها في الحمل والفصال ، وفي الثانية بيان لأكثر هذا الفصال وكون أقلّ الحمل ستة أشهر.
(١) وهذا الاعتراض الثالث من المدقّق الشيرواني.