ـ والتحقيق ـ أنّ لفظ الأمر حقيقة في الطّلب الاستعلائي على سبيل الوجوب ، وهو المتبادر منه عرفا ، وصيغة افعل كثيرا ما تستعمل في غير هذا المعنى ، فكون الأمر حقيقة في الوجوب لا يستلزم كون افعل حقيقة فيه ، ولذلك أفردوا البحث في كلّ منهما. فما اخترناه من كون الصّيغة للوجوب إنّما هو للتبادر في الصّيغة لا من أجل كونها مصداقا للأمر ، وإن كنّا نقول بكون الأمر أيضا حقيقة في الوجوب ، لما دللنا عليه سابقا. وممّا ينادي بذلك قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لو لا أن أشقّ على امّتي لأمرتهم بالسّواك» (١). فإنّ طلبه صلىاللهعليهوآلهوسلم للسّواك بصيغة افعل في غاية الكثرة.
وأمّا ما يقال : إنّه لا بدّ من تضمين (٢) الإعراض ونحوه ليكون متعلّقا بكلمة المجاوزة ، فهذا لا يدلّ إلّا على التهديد على المخالفة على سبيل الإعراض والتولّي ، وهو يتمّ إذا كان الأمر للندب أيضا.
ففيه : أنّ ذلك ليس إلّا من جهة صحّة التركيب النحوي ، ولا يشترط في ذلك اعتبار التولّي كما لا يخفى ، ومنها قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)(٣). فإنّ الاستفهام إنكاريّ لاستحالته على الله (٤) ، وهو يفيد التهديد ، والتهديد لا يجوز إلّا على ترك الواجب ، وهذه الآية أيضا لا تدلّ إلّا على دلالة الأمر على الوجوب ، بل وخصوص أمر الشّارع ، إلّا أن يقال : المراد به قوله تعالى : (اسْجُدُوا) قبل هذا ، وإنّ المتبادر من التعليل هو كون العلّة مخالفة الأمر من حيث إنّه أمر ، لا من حيث هو أمره تعالى ، فتأمّل.
__________________
(١) «الوسائل» ابواب السواك كتاب الطهارة باب ٣ ح ١٣٤٦.
(٢) هنا اشارة الى سابع الايرادات.
(٣) الاعراف : ١٢.
(٤) ردّه صاحب «هداية المسترشدين» : ١ / ٦١٣.