وما يتوهّم (١) من أنّ التهديد لعلّه من جهة اكتناف الصّيغة بقرينة حاليّة تدلّ على الوجوب لا من جهة دلالة نفس الصيغة ، يدفعه أصالة عدمه.
لا يقال : أنّ هذا إنّما يتمّ لو ثبت اتّحاد عرفنا مع عرف الملائكة ، لأنّ حكاية أحوال كلّ أهل لسان الآخرين إنّما تصحّ من الحكيم إذا تكلّم بما يفيد المطلب من لسان الآخرين ويستعمل حقيقتهم في حقيقتهم ومجازهم في مجازهم وهو ظاهر.
وما يقال أيضا : إنّ الاستفهام تقريريّ لإتمام الحجّة ، فالغرض إقرار إبليس باستكباره ، وإنّ المخالفة إنّما كانت من جهة الاستكبار حيث قال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ)(٢) وهذا يتمّ إذا كان الأمر للندب أيضا.
ففيه (٣) : أنّ الاستكبار من إبليس لعنه الله ليس على الله ، بل على آدم عليهالسلام فيرجع بالنسبة الى الله الى محض المخالفة التبعيّة الغير المقصودة بالذّات ، المتولّدة من المخالفة الحاصلة من الحميّة والعصبيّة ، وهذه شيء ربّما يعدّ من تبعها نفسه في عداد المقصّرين فافهم.
ومنها : قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ)(٤) ذمّهم سبحانه على مخالفة الأمر. واحتمال كون الذّم على ترك الأمر مشاقّة وتكذيبا خلاف الظاهر ، وقوله تعالى بعد ذلك : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ)(٥) الخ. لا يدلّ على ذلك ، لجواز ذمّهم على
__________________
(١) وقد ذكر في «المعالم» ص ١٢٥ على نحو الاعتراض.
(٢) الاعراف : ١٢ ، ص : ٧٦.
(٣) وفيه ردّ على المصنّف في «هداية المسترشدين» : ١ / ٦١٣ وفي «الفصول» : ص ٦٦.
(٤) المرسلات : ٤٨.
(٥) المرسلات : ٤٩.