المقتضي ـ وهو الأدلّة ـ على دلالتها على الوجوب موجود ، والمانع منه مفقود ، لأنّ الإباحة لا تنافي الوجوب.
وفيه : أنّا نقول : إنّ المراد من الأمر هنا مجرّد رفع الحظر لما ذكرنا (١) ، فلا دلالة فيها على أزيد من ذلك.
وأمّا عدم منافاته لثبوت الوجوب فهو مسلّم ، لكنّ الوجوب ليس من جهة هذا الأمر ، فالمانع عن الدّلالة من جهة هذا الأمر موجود ، وأكثرهم قد قرّروا هذا الدّليل على نهج آخر أضعف ، وهو أنّ المقتضي موجود ، أعني صيغة الأمر ، لما تقدّم من الأدلّة ، والمانع لا يصلح للمانعيّة ، وهو ما ذكره الخصم من أنّ الوجوب ضدّ للحظر ، ولا يجوز الانتقال منه إليه ، لأنّ الإباحة أيضا ضدّ له.
أقول : بل المانع هو قرينة المقام كما بيّنّا ، ودلالة الأدلّة على دلالة مطلق الصّيغة على الوجوب ؛ لا تنافي عدم دلالتها عليه في خصوص موضع باعتبار القرينة ، كما في سائر المجازات.
وأمّا المثال المذكور والآيات المذكورة ، فالجواب عنها : أنّ محلّ النزاع هو ما إذا حظر عن شيء تحريما أو تنزيها ثمّ أمر به من دون اكتنافه بشيء يخرجه عن حقيقته الجنسيّة أو النوعيّة.
والمراد (٢) من قولنا : إنّ ما ورد الأمر به حينئذ ليس واجبا ، بل إنّما هو أمر مرخّص فيه : إنّ الوجوب لا يراد من هذا الأمر من حيث هو هذا الأمر ، ولا نمنع من ثبوت الوجوب من موضع آخر ، فحينئذ نقول : مثل قول المولى للعبد بعد نهيه عن
__________________
(١) بأنّ المتبادر من الأمر الواقع عقيب الحظر هو الاباحة.
(٢) وهذا تمهيد لرد دلالة الآيات.