يقصده المتكلّم أيضا بذلك الخطاب ، بل ولم يستشعر به (١) أيضا ، كوجوب المقدّمة على ما سنحقّقه ، ودلالة الآيتين على أقلّ الحمل (٢) ونحو ذلك. فهذا الحكم وإن كان ، إنّما حصل من العقل لكن حصل بواسطة خطاب الشّرع ، ويقال لذلك إنّه خطاب حصل بتبعيّة الخطاب الشّرعي ، وإن كان الحاكم باللّزوم هو العقل. ولا يخفى أنّ هذه الدلالة معتبرة أيضا محكمة في المسائل ، سواء كان من أحكام الوضع ، كأقلّ الحمل المستفاد من الآيتين ، أو من أحكام الطلب.
وأمّا الوجوب المذكور ـ أي وجوب المقدّمة ـ فلمّا كان هو أيضا تبعيّا كأصل الخطاب به ، بمعنى أنّه لازم لأجل التوصّل الى ذي المقدّمة ، وحكمه حكم الخطابات الأصليّة التوصّلية كإنقاذ الغريق وإطفاء الحريق وغسل الثوب النّجس للصلاة ، فلم يحكم بكونه واجبا أصليّا ولم يثبت له أحكام الواجب الأصلي الذّاتي ، فلا عقاب عليه لعدم ثبوت العقاب على الخطاب التبعي ، كما سنشير إليه. ويجتمع مع الحرام لأجل كونه توصّليا ، نظير الإنقاذ والغسل الواجبين لاستخلاص النفس المحترمة ، والصلاة في الثّوب الطاهر ، ولذلك يحصل المطلوب بالحرام أيضا ، بل بفعل الغير أيضا ، فيرجع هذه الدلالة أيضا الى البيّن بالمعنى الأعمّ ، لكن بالنسبة الى المأمور به لا الأمر ، نظير توابع الماهيّة في الوجود وغاياتها.
وأمّا القائل بوجوب المقدّمة ، فلا بدّ أن يقول بوجوب آخر غير الوجوب التوصّلي ، ويقول بكونه مستفادا من الخطاب الأصلي ، وإلّا فلا معنى للثمرات التي
__________________
(١) المتكلّم بالكلام من حيث إنّه متكلّم ، وهناك من صرّح بأنّ مقصوده ليس هو خطاب الشارع ، إذ لا يجوز نسبة عدم الشعور إليه.
(٢) من قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ.) وقوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وأنّ أقلّ الحمل ستة أشهر.