وأمّا جعل إرادة المكلّف من (١) ذلك فهو لا يتمّ إلّا على مذهب الجبريّة.
وبالجملة ، لا كلام فيما كان مقدّمة للوقوع فقط ، كالطهارة بالنسبة الى الصلاة لأنّه يجب تحصيله كالواجب ، ولا يلزم من أمر الآمر إذا علم انتفاؤه نقص وقبح ، وإن علم أنّه يتركه اختيارا ، لأنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.
إذا تقرّر هذا ، فنقول : إنّ هاهنا مقامين من الكلام :
الأوّل : أنّه هل يجوز توجيه الأمر إلى المكلّف الفاقد للشرط مع علم الآمر بانتفائه ، وإن لم يكن نفس الفعل المأمور به ، بل كان المراد مصلحة اخرى حاصلة من نفس الأمر من العزم على الفعل وتوطين النّفس على الامتثال والابتلاء والامتحان أم لا؟
والثاني : أنّه هل يجوز إرادة نفس المأمور به مع العلم بعدم الشّرط أم لا؟
والظاهر أنّ كليهما ممّا وقع النزاع فيه ، ولكنّ المتداول في ألسنة الاصوليين المفيد في تعريفاتهم [تفريعاتهم] هو النزاع الثاني. وقد اختلط المقامان على كثير منهم (٢) ، كما يظهر من استدلالاتهم :
والحقّ في الأوّل الجواز.
ولا يحضرني الآن كلام من أنكر جواز ذلك إلّا العميدي رحمهالله في «شرح التهذيب» حيث قال : إنّ ذلك غير جائز لما يتضمّن من الإغراء بالجهل لما يستلزم
__________________
(١) أي من شرط الوجوب على مذهب الجبريّة ، فإنّهم يجعلون إرادة المكلّف شرطا في وجوب الصلاة مثلا لاعتقادهم على أنّ الذي يصدر عن المكلّف فهو لا يقدر على خلافه لأنّه الذي علمه في الأوّل ، ولا يلزم أن يكون علمه تعالى جهلا ، ولكن الانصاف ان جعل علم الأزلي علّة لعصيان المكلّف فهو في غاية الجهل ، كما في الحاشية.
(٢) راجع «المعالم» : ص ٢٢٢.