فإن قلت : مطلوب فعله لذاته ومطلوب تركه من جهة أنّه مفوّت للمصلحة الزّائدة الحاصلة في الغير ، فقد كررت على ما فررت عنه ، فإنّ المطلوب شيء واحد ولا يعتبر عندك تعدّد الجهة.
فإن قلت : لمّا جاز الفعل والترك معا فلا يلزم التكليف بالمحال.
قلت : إنّا نتكلّم فيما لو أراد الفعل واختار الفرد المرجوح ، وجواز الفعل والترك لا يجوّز اجتماع المتضادّين في صورة اختياره ، وهو واضح ، مع أنّه لا فارق بين قولنا : لا تصلّ في الدّار المغصوبة ، و : لا تصلّ في الحمّام ، فاعتبر فيه الرّجحان الذّاتي والمرجوحيّة الإضافية أيضا.
وما يقال : إنّ الفارق أنّ الصّلاة ثمّة عين الغصب ، وهاهنا (١) غير الكون في الحمّام ، مع ما فيه من التكليف الواضح ، وإنّ ذلك إنّما هو بعد تسليم أنّ الاتّحاد في الوجود الخارجي يوجب ارتفاع الاثنينيّة في الحقيقة.
يرد عليه : أنّ ذلك مبنيّ على الخلط بين ما عنون به القانون وبين ما سيجيء فيما بعد ، فالنهي ثمّة تعلّق بالصلاة في الدّار المغصوبة لا بالصلاة لأنّها غصب بعينها والغصب منهيّ عنه ، والذي ذكرناه من النقض إنّما كان من باب الأولويّة والاكتفاء بلزوم اجتماع المتنافيين مطلقا ، وليس مثالنا في العبادة المكروهة مطابقا للمبحث في النّوع.
ولزم ممّا ذكرنا ، القول بذلك فيما لو كان المنهيّ عنه أخصّ من المأمور به أيضا ، وإن شئت تطبيق المثال على المقامين فطابق بين قولنا : صلّ ولا تغصب ، وبين قولنا : صلّ ولا تكن في مواضع التّهمة ، وطابق بين قولنا : لا تصلّ في الحمّام ، و :
__________________
(١) أي في صلّ ولا تصلّ في الحمّام.