وأمّا على القول الآخر (١) ، فالاستحباب الغيريّ معناه أنّه يستحب أن يكون هذا الفعل في حال كون المكلّف مغتسلا ، لا انّه يستحبّ الغسل له ، إلّا أن يقال : استحباب الفعل في حال الغسل لا يتمّ إلّا بالغسل ، وما لا يتمّ المستحبّ إلّا به فهو مستحبّ ، فيستحبّ الغسل.
فالمناص هو اعتبار تعدّد الجهة وإلّا فلا يصحّ التكليف ، لأنّ المكلّف به على مذهب المجيب هو الفرد ، وهو شيء واحد شخصيّ لا تعدّد فيه أصلا.
ومن المواضع التي ذكرناها هو الصّلاة في المسجد ، فإنّ المستحبّ والواجب أيضا متضادّان ، وكذلك أفضل أفراد الواجب التخييري ، فإنّه واجب من حيث كونه فردا من الكلّي ، ومستحبّ من حيث الشّخص.
وما أدري ما يقول المجيب هنا قبالا لما ذكره في الفرد المرجوح ، اللهمّ إلّا أن يقول : الفرد الأفضل راجح بالنّسبة الى الفرد الآخر وإن كان فاقدا لذلك الرّجحان ، والمزيّة الموجودة في الأفضل بالنّظر الى أنّه أحد فردي المخيّر لا بالنسبة الى ذاته ، فحينئذ يخرج عن المقابلة.
ومنها : ما ورد في الأخبار الكثيرة وأفتى به الفقهاء من تداخل الأغسال الواجبة والمستحبّة ، وكذلك الوضوءات ونحو ذلك. واضطرب فيه كلام الأصحاب في توجيه هذا المقام ، وذهب كلّ منهم الى صوب ، والكلّ بعيد عن الصواب.
وأمّا على ما اخترناه فلا إشكال ، وقد بيّنّا ذلك في كتاب «مناهج الأحكام» (٢).
__________________
(١) بكون غسل الجنابة واجبا لنفسه ومستحبا لغيره.
(٢) وهو كتاب للمصنّف في الفقه.