أمّا أوّلا : فلأنّه خروج عن محلّ البحث ، فإنّ الكلام فيما علم المستعمل فيه ولم يتميّز الحقائق من المجازات ، لا فيما علم الحقيقة والمجاز ولم يعلم المستعمل فيه ، ولا ريب أنّ الأصل في الثاني هو الحمل على الحقيقة.
وأمّا ثانيا : فلأن سلب المعنى المجازي حينئذ أيضا يدلّ على إرادة المعنى الحقيقي ، فلا اختصاص لهذه العلامة بالمجاز.
لا يقال : أنّ المجازات قد تتعدّد ، فنفي الحقيقة لا يوجب تعيين بعضها ، لأنّ هذا القائل (١) قد عيّن المجاز ، والمفروض أيضا إرادة تعيين شخص المجاز لا مطلقة ، مع أنّ لنا أيضا أن نقول : سلب مطلق المعنى المجازي علامة للحقيقة ، فافهم.
وأمّا ثالثا : فما ذكره في عدم صحّة السّلب للحقيقة ، فمع أنّه يرد عليه ما سبق من كونه خروجا عن المبحث.
فيه : أنّ العامّ إذا استعمل في الخاصّ فهو إنّما يكون مجازا إذا اريد منه الخصوصيّة لا مطلقا ، ومع إرادة الخصوصيّة فلا ريب في صحة سلب معناه الحقيقي بهذا الاعتبار ، وإنّما يختلف ذلك باعتبار الحيثيّات (٢).
وقد اجيب أيضا (٣) : بأنّ المراد سلب ما يستعمل فيه اللّفظ المجرّد عن القرينة وما يفهم منه كذلك عرفا ، إذ لا شكّ في أنّه يصحّ عرفا أن يقال للبليد : إنّه ليس
__________________
(١) جواب لقوله : لا يقال.
(٢) فمن حيث الخصوصيات مجاز يصح السّلب وبدونها حقيقة يمتنع.
(٣) هذا الجواب ذكره الوحيد البهبهاني في «فوائده» ص ٣٢٥ وذكره المحقق الاصفهاني في «هدايته» ١ / ٢٥٩ ، وهو جواب آخر راجع الى ما ذكر سابقا في دفع الدّور ، من أنّ صحة السلب وعدمها عند العالمين بالأوضاع علامتان للجاهل لوضوح معرفة أهل العرف بأوضاع ألفاظ لغتهم.