نعم التربية والرّئاسة والمرءوسيّة من الخواصّ الظاهرة فيهما ، مع أنّ التقابل الحاصل من جهة التضايف يوجب قطع النظر عن سائر المناسبات.
وبالجملة ، لمّا كان الغرض من المجاز الانتقال من الملزوم الى اللّازم ، فلم يظهر من العرب إلّا تجويز العلاقة الظّاهرة.
ألا ترى أنّ استعمال اللّفظ الموضوع للجزء في الكلّ ليس بمحض علاقة الجزئية والكليّة ، بل لوحظ فيه كمال المناسبة بين الجزء والكلّ ، بأن يكون ممّا ينتفي بانتفاء الجزء كالرّقبة للإنسان والعين للرّبيئة (١) باعتبار وصف كونه ربيئة.
وبالجملة ، الرّخصة الحاصلة في النّوع يراد بها الحاصلة في جملة هذا النوع ، وإن كان في صنف من أصنافها أو في أفرادها الشائعة الظاهرة. وهكذا فالاستقراء في كلام العرب لم يحصل منه الرّخصة في مثل هذه الأفراد من الشّباهة والسببيّة والمجاورة ونحوها ، إلّا أنّه حصل الرّخصة في نوعها بعمومه وخرج المذكورات بالدّليل ، فلاحظ وتأمّل.
إذا تقرّر ذلك فنقول : قد أورد على كون الاطّراد دليل الحقيقة ، النّقض بمثل : (أسد) للشجاع ، فإنّه مطّرد ومجاز ، فيتخلّف الدّليل عن المدلول ، وعلى كون عدم الاطّراد دليل المجاز النقض بمثل : الفاضل والسّخي فإنّهما موضوعان لذات ثبت له الفضيلة والسّخاء ، ولا يطلق عليه تعالى مع وجودهما فيه ، والقارورة فإنّها موضوعة لما يستقرّ فيه الشيء ، ولا يطلق على غير الزّجاجة.
__________________
(١) يقال كان لهم ربيئة أي عينا يرقب لهم وهو من كان يصعد الى ربوة لينظر الى الأطراف ليطّلع على من يجيء ليخبر القوم بذلك.