فيقال : إنّ الحكمة لا تقتضي ذكر الأتمّ والأحسن غالبا ، بل ربّما يقتضي ذكر الأنقص.
نعم ، إذا كان المراد إظهار البلاغة للإعجاز ونحوه ، فيعتبر ما له مزيد دخل بموافقة مقتضى المقام ، والخلوص عن التعقيد اللّفظيّ والمعنويّ ، وما يرتبط بالمحسّنات اللّفظية والمعنويّة ، ولكن مقتضى المقامات مختلفة ، وما هذا شأنه من كلامهم ليس له مزيد دخل في بيان الأحكام الشرعيّة الذي هو محطّ نظر الأصوليّ ، ومع تسليم ذلك ، فنمنع حجّية مثل هذا الظنّ (١).
والتحقيق أنّ المجاز في نفس الأمر أغلب من غيره من المذكورات في أكثر كلام المتكلّمين ، ولا يمكن إنكار هذه الغلبة ، وكذلك التخصيص أغلب أفراد المجاز في العامّ لا مطلقا.
وأمّا حصول الغلبة في غيرها ، فغير معلوم ، بل وندرتها معلومة ، وعلى هذا يقدّم المجاز على الاشتراك والنقل ، بل ولا يبعد ترجيحه على الإضمار أيضا ، ويقدّم التخصيص على غيره من أقسام المجاز وغيرها لأنّ الظنّ يلحق الشيء بالأعمّ الأغلب.
__________________
(١) لأنّ هذا الظنّ قد حصل من الاستحسانات والأقيسة ، والظنّ الذي نقول بحجّيته هو الظنّ المستفاد من الألفاظ بحسب المحاورات المتعارفة لا مطلقا. ومن هنا تعرف عدم المناقضة بين هذا الكلام وما سيقوله بعد ذلك من تقديم بعض المعاني على بعض ، لأنّ الظنّ يلحق الشيء بالأعم الأغلب. ووجه المناقضة تارة يمنع الظن الحاصل من الغلبة كما أشار بقوله : وفيه إنّا نمنع ... الخ ، وتارة يجوّز كما أشار بقوله : هذا لأنّ الظنّ ... الخ.
ووجه عدم المناقضة انّ دعوى الغلبة التي منعها حجّتها هي الغلبة الحاصلة من الأقيسة والاستحسانات لا الحاصلة من الألفاظ ، وأما الغلبة التي سلّم حجّتها هي الغلبة الحاصلة من الألفاظ فلا مناقضة بينهما.