بان هذا التفصيل غير مستفاد من نص دال عليه والقول به بدون ذلك تحكم ، ورد الحمل على الاستحباب أيضا بأن استحباب ترك العبادة لا وجه له ، والتزام وجوب العبادة أو استحبابها على تقدير الغسل بعيد جدا ، واختار فيها حمل اخبار الاستظهار على الجواز ، والظاهر انه يرجع الى التخيير بين الاستظهار وعدمه وإلا فالعبادة لا تتصف بالجواز ، إلا ان جواز الاستظهار وعدمه يرجع الى جواز العبادة وعدمه وهو باطل. وكيف كان فلا ريب في بعده. هذا. واما ما اعترض به كلام السيد في المدارك ـ من انه تحكم إذ لا يستفاد من النصوص ـ ففيه انه لا يخفى ان الظاهر ان السيد (رحمهالله) انما قيد اخبار الاستظهار مع إطلاقها بالاتصاف بصفة دم الحيض بناء على ما تقدم نقله عنه في سابق هذه المسألة من ان المتقدم على العادة والمتأخر عنها يحكم بكونه حيضا بشرط اتصافه بصفة دم الحيض ، وهو قد وافق السيد على هذه المقالة كما قدمنا نقله عنه ، ولا ريب ان ما نحن فيه أحد جزئيات تلك المسألة فكيف يعترضه بما ذكره مع لزوم ذلك له؟
والذي يقرب عندي في الجمع بين الاخبار المذكورة أحد وجهين : إما حمل الأخبار الأخيرة على التقية ، ويعضده اتفاق الأصحاب على العمل بالأخبار الأولة وان اختلفوا في كونه وجوبا أو استحبابا ، ومنشأ الاستحباب عندهم هو الجمع بين الاخبار كما عرفت ، والعمل بالأخبار الأولة متفق عليه في الجملة ، والقول بالاقتصار على العادة من دون استظهار مذهب الجمهور إلا مالكا على ما ذكره في المنتهى ، قال ـ بعد ان نقل عن مالك الاستظهار بثلاثة أيام : «وخالف باقي الجمهور في الاستظهار واقتصروا على العادة خاصة» (١)
__________________
(١) في المدونة ج ١ ص ٥٤ «قال ابن القاسم : كل امرأة كانت أيامها أقل من خمسة عشر يوما فإنها تستظهر بثلاثة ما بينها وبين خمسة عشر ، مثلا ـ التي أيامها اثنا عشر تستظهر بثلاث والتي أيامها ثلاثة عشر تستظهر بيومين والتي أيامها أربعة عشر تستظهر بيوم والتي أيامها خمسة عشر لا تستظهر بشيء وتغتسل وتصلى ويأتيها زوجها ، ولا تقيم امرأة في حيض أكثر من خمسة عشر باستظهار كان أو غيره» وفي ص ٥٥ «قال ابن القاسم قال مالك إذا رأت المرأة الدم يوما ثم انقطع عنها يومين ثم رأته