فصل : وحقيقة الخبر ما صحّ أن يقال في جوابه صدق أو كذب ، فأمّا الأمر والنهي فضعيف جعلهما خبرا للمبتدأ ؛ لأنّهما ضدّ الخبر في المعنى وما جاء منه فهو متأوّل تقديره زيد أقول أضربه ، وحذف القول كثير أو يكون التقدير زيد واجب عليك ضربه ثم قام الأمر مقام هذا القول كقوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم : ٧٥] أي : فليمدّنّ له.
فصل : والخبر المفرد هو المبتدأ في المعنى إذ لو لا ذلك لم يكن بينهما علقة تربط أحدهما بالآخر ؛ ولهذا جاز أن يخلوا من ضمير يعود على المبتدأ كقولك : زيد غلامك ، وإنّما وجب أن يكون في الخبر المفرد المشتقّ ضميرّ ؛ لأنه يعمل عمل الفعل كقولك : زيد ضارب أبوه عمرا ، وإذا لم يكن ظاهرا كان مضمرا ؛ ولهذا قالوا : مررت بقاع عرفج كلّه خشن ، أي : كلّه. ومررت بقوم عرب أجمعون ، أي : تعرّبوا كلّهم أجمعون.
فصل : فإن لم يكن الخبر المفرد مشتقّا لم يكن فيه ضمير ، وقال الرّماني والكوفيون : فيه ضمير. وما قالوا فاسد لثلاثة أوجه (١) :
أحدها : أنّ قولك : (هذا زيد) مبتدأ وخبر ، فزيد لا يصحّ تحمّله الضمير كما لا يعمل في الظاهر.
والثاني : أنّه لا يقع صفة فلم يكن فيه ضمير.
والثالث : أنّه قد يخالف المبتدأ في العدد كقولك : (زيد العمران أخواه) والضمير أبدا يكون على وفق المظهر ، وليس كذلك اسم الفاعل لما تقدّم.
ولا يقال قولك : زيد أخوك في معنى مناسبك ؛ لأنه لو كان كذلك لعمل في الاسم الظاهر ولوقع وصفا ، وإنّما هذا في المعنى صحيح ، والضمير يعتمد الفعل أو ما كان مشتقا منه ، ألا ترى أنّ قولك : مروري بزيد حسن وهو بعمرو قبيح ، وضربي زيدا حسن وهو عمرا قبيح ،
__________________
(١) قال الأشموني في شرحه على الألفية : الخبر (المفرد الجامد) منه (فارغ) من ضمير المبتدأ خلافا للكوفيين (وإن يشتقّ) المفرد بمعنى يصاغ من المصدر ليدل على متصف به كما صرح به في شرح التسهيل (فهو ذو ضمير مستكن) فيه يرجع إلى المبتدأ والمشتق بالمعنى المذكور هو اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل. وأما أسماء الآلة والزمان والمكان فليست مشتقة بالمعنى المذكور فهي من الجوامد وهو اصطلاح.