الفعل الفاعل المؤسنث الحقيقي لزمت فيه التاء وإن فصل بينهما لم يلزم كلّ ذلك اهتمام بالأقرب ، وكان أبو عليّ يتمثّل عند ذلك بقول الهذلي (١) : [الطويل]
... وإنّما |
|
نوكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي |
واحتجّ الآخرون بأبيات عمل فيها الأوّل ، وليس فيها حجّة على الأولى بل الجواز ، فأمّا قول أمرئ القيس (٢) : [الطويل]
فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة |
|
كفاني ولم أطلب قليل من المال |
فإنّما أعمل الأوّل فيه ؛ لأن المعنى عليه ، أي : لو كنت أسعى لأمر حقير كفاني القليل ، ولو نصب على هذا لتناقض المعنى.
فإن قالوا : الأوّل أهّم للبدء به؟
قلنا : لو اشتدّ الاهتمام به لّجعل معموله إلى جانبه على الاهتمام بالأقرب أشدّ على ما بيّنا.
__________________
(١) البيت كاملا :
بلى إنّها تعفو الكلوم وإنّما |
|
نوكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي |
(٢) امرؤ القيس : (١٣٠ ـ ٨٠ ق. ه / ٤٩٦ ـ ٥٤٤ م) وهو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي.
شاعر جاهلي ، أشهر شعراء العرب على الإطلاق ، يماني الأصل ، مولده بنجد ، كان أبوه ملك أسد وغطفان وأمه أخت المهلهل الشاعر.
قال الشعر وهو غلام ، وجعل يشبب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب ، فبلغ ذلك أباه ، فنهاه عن سيرته فلم ينته ، فأبعده إلى حضر موت ، موطن أبيه وعشيرته ، وهو في نحو العشرين من عمره.
أقام زهاء خمس سنين ، ثم جعل ينتقل مع أصحابه في أحياء العرب ، يشرب ويطرب ويغزو ويلهو ، إلى أن ثار بنو أسد على أبيه فقتلوه ، فبلغه ذلك وهو جالس للشراب فقال : رحم الله أبي! ضيعني صغيرا وحملني دمه كبيرا ، لا صحو اليوم ولا سكر غدا ، اليوم خمر وغدا أمر. ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بني أسد ، وقال في ذلك شعرا كثيرا.
كانت حكومة فارس ساخطة على بني آكل المرار (آباء امرؤ القيس) فأوعزت إلى المنذر ملك العراق بطلب امرئ القيس ، فطلبه فابتعد وتفرق عنه أنصاره ، فطاف قبائل العرب حتى انتهى إلى السموأل ، فأجاره ومكث عنده مدة.