ولأنّ (لكنّ) لا تغيّر معنى الابتداء وهذا عندنا لا يجوز لوجهين :
أحدها : أنّه لم يأت منه شيء في القرآن ، وفي اختيار كلامهم وإن جاء في شعر فهو شاذّ سوّغته الضرورة.
والثاني : أنّ (اللام) لو جازت مع (لكنّ) لتقدّمت عليها ؛ لأن موضعها صدر الجملة ، وإنّما أخّرت في (إنّ) لئلّا يتوالى حرفا تأكيد و (لكنّ) ليست للتوكيد بل للاستدراك ، وبهذا تبيّن أنّ معنى الابتداء لا يبقى معها بالكلّيّة ؛ لأن الابتداء لا استدراك فيه.
فصل : والأصل في (إنّي) : (إنّني) وفي (كأنّي) : (كأنّني) فيؤتى بنون الوقاية (١) لئلّا ينكسر آخر الحرف ، وإنّما جاز حذفها تخفيفا لكثرة الاستعمال وكثرة النونات والمحذوف النون الثانية لوجهين :
أحدهما : أنّها حذفت قبل دخولها على الضمير فقالوا (إن) وهي المخّففة فكذلك بعد دخولها على الضمير.
والثاني : أنّ النون الأولى لا يجوز حذفها لأنّك تحتاج إلى تسكين الثانية ؛ ليصحّ إدغامها فيصير معك حذف وتسكين وإدغام ولأنّ الثقل لا يقع إلا بالمكرّر لا بالأوّل.
فصل : فإن فصلت بين الخبريّة ومميّزها نصبت لئلّا يقع الفصل بين المضاف والمضاف إليه ومنهم مّن يجرّه ولا يعتدّ بالفصل.
فصل : وقد ترفع النكرة بعد : (كم) في الاستفهام ويكون المميز محذوفا ويقدّر ما يحتمله الكلام كقولك : كم رجل جاءك ، أي : كم مرّة أو يوما ورجل مبتدأ وما بعده الخبر ، وإذا رفعت لم يتعدّد الرجل بل تتعدّد فعلاته.
فصل : ويجوز أن يرجع الضمير إلى لفظ : (كم) فيكون مفردا وإلى معناها فيكون جمعا ، ومنه قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ) [النجم : ٢٦].
__________________
(١) قال الأشموني في شرح الألفية : مذهب الجمهور أنها إنما سميت نون الوقاية لأنها تقي الفعل الكسر.
وقال الناظم بل لأنها تقي الفعل اللبس في أكرمني في الأمر فلو لا النون لالتبست ياء المتكلم بياء المخاطبة ، وأمر المذكر بأمر المؤنثة ، ففعل الأمر أحق بها من غيره ، ثم حمل الماضي والمضارع على الأمر (وليتني) بثبوت نون الوقاية (فشا) حملا على الفعل لمشابهتها له مع عدم المعارض (وليتي) بحذفها (ندرا).