وحذف الثالثة ضعيف ؛ لأنها دخلت لمعنى يختلّ بالحذف ، وقد ذهب قوم إلى أنّ المحذوفة هي الأولى وذهب آخرون إلى أنّ المحذوفة في الثالثة والصحيح ما ذكرنا فأمّا قولك : (إنّا) فالمحذوفة هي الثانية عند الجميع.
فصل : وأكثر ما جاء : (لعلّي) (١) بغير نون ؛ لأن اللام تشبه النون فلمّا ثقل اجتماع النونات ثقل دخول النون على اللام المشدّدة ، وقد جاء : (لعلّني) في الشعر ، وأمّا (ليتي) فضعيف في القياس قليل في الاستعمال ؛ لأن النون إذا لم تثبت توالت أشياء مستثقلة وهي الياء وكسرة التاء والياء بعدها.
فصل : ويكون ضمير الشأن والقصّة اسم (إنّ) كما كان اسم (كان) إلا أنّ (كان) يستتر فيها الضمير إذ كانت فعلا و (إنّ) لا يستتر فيها ؛ لأنها حرف وإن جاءت الجملة بعدها كقولك : إنّ زيد قائم كان ضمير القصّة محذوفا للعلم به.
وقال الكسائيّ : تكون ملغاة عن العمل وهذا ضعيف لقوّة شبه (إنّ) بالفعل فإنّ جعلت بمعنى (نعم) جاز ذلك ، فأمّا قول الشاعر (٢) : [الطويل]
فليت كفافا كان خيرك كلّه |
|
وشرّك عنّي ما ارتوى الماء مرتوي |
__________________
(١) رجحان ترك نون الوقاية : في «لعلّ» إذا نصبت ياء المتكلّم ، فحذف نون الوقاية أكثر نحو : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) (الآية «٣٦» من سورة غافر) وشاهد إثباتها قول عديّ بن حاتم يخاطب إمرأته وقد عذلته على إنفاق ماله :
أريني جوادا مات هزلا لعلّني |
|
أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا |
(٢) البيت من شعر يزيد بن الحكم الثقفي : (١٠٥ ه / ٧٢٣ م) وهو يزيد بن الحكم بن أبي العاص بن بشر بن عبد بن دهمان الثقفي.
شاعر عالي الطبقة ، من أعيان العصر الأموي. من أهل الطائف ، سكن البصرة ، وولاه الحجاج كورة فارس ، ثم عزله قبل أن يذهب إليها. فانصرف إلى سليمان بن عبد الملك فأجرى له ما يعدل عمالة فارس.
وقطع عنه ذلك بعد سليمان فلما صار الأمر إلى يزيد بن عبد الملك وثار يزيد بن المهلب خالعا ابن عبد الملك كتب إليه ابن الحكم شعرا قال فيه :
أبا خالد قد هجت حربا مريرة |
|
وقد شمرت حرب عوان فشمر |
وقد كان أبي النفس ، شريفا ، من حكماء الشعراء. وقد أورد له أبو تمام في الحماسة شعرا.