والثالث : جواز إلغائها إذا توسطت أو تأخرت ، وليس كذلك : (أعطيت) وبابه فإنّك لو قلت : زيد أعطيت درهم لم يجز.
والرابع : أنّه لا يجوز الاقتصار على أحد مفعوليها ، وقد ذكرت علّته.
والخامس : جواز اتّصال ضمير الفاعل والمفعول بها وهما لشيء واحد كقولك : ظننتني قائما ، ويذكر في موضعه.
فصل : وقد تكون (ظننت) بمعنى اليقين كقوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) [البقرة : ٤٦] ، وقد تكون بمعنى : (اتّهمت) فتتعدّى إلى واحد ؛ لأن التهمة لنفس زيد لا لصفته ، وقد تكون علمت بمعنى : (عرفت) فتتعدّى إلى واحد كقوله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ) [الأنفال : ٦٠]؛ لأن المعرفة والجهالة تتعلّق بعين زيد لا بصفته وتكون : (رأيت) من رؤية البصر فتتعدى إلى واحد فإن جاء منصوب معها فهو حال (١).
وأمّا (حسبت) : (خلت) (٢) فبمعنى التوهّم لا غير ، وأمّا (زعمت) فهو عبارة عن القول المقرون بالاعتقاد ، وقد تكون حقّا ، وقد تكون باطلا ، وأمّا (وجدت) فتكون بمعنى : (علمت) كقولك : وجدت الله عالما. وتكون بمعنى : (صادفت) فتتعدّى إلى واحد وتكون لازمة كقولك : وجدت عليه. أي : غضبت وحزنت.
فصل : وقد شبّه ب (ظننت) : (قلت) وللعرب فيه ثلاثة مذاهب :
أحدها : أن يعمل القول عمل الظنّ مع الاستفهام والخطاب والاستقبال كقولك : أتقول زيدا قائما ؛ لأن الغالب أنّ المستفهم شاكّ وأنّه يستفهم من بحضرته ليخبره ، ومنهم من يعملها في الخطاب خبرا كان الكلام أو استفهاما ، ومنهم من يعملها عمل الظنّ بكلّ حال.
__________________
(١) قد تكون لليقين والاعتقاد ، كقول الآخر
دعاني العواني عمّهنّ. وخلتني |
|
لي اسم ، فلا أدعى به وهو أول |
(أي دعونني عمّهنّ ، وقد علمت ان لي اسما ، افلا ادعي به وهو اول اسم لي. وياء المتكلم مفعول خال الاول ، وجملة «اسم» في موضع نصب على انها مفعوله الثاني).
(٢) «حسب» ـ وهي للرّجحان ، بمعنى «ظنّ» ـ كقوله تعالى (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ،) وقوله (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ.) وقد تكون لليقين ، كقول الشاعر
حسبت التّقى والجود خير تجارة |
|
رباحا ، إذا ما المرء أصبح ثاقلا |