فصل : واختلفوا في الإعمال والإلغاء هنا هل هما سواء أم لا؟ فقال قوم : هما سواء لتعارض الدليلين اللذين ذكرناهما ، وقال آخرون : الإعمال أرجح ؛ لأن الفعل أقوى من الابتداء.
وأمّا إذا تأخّرت عن المفعولين فالإلغاء أقوى عند الجميع ؛ لأن المبتدأ قد وليه الخبر وازداد الفعل ضعفا بالتأخير بخلاف ما إذا توسّط ؛ لأن نسبته إلى الرتبة الأولى كنسبة إلى الرتبة الثالثة ، وإذا تأخّر صار بينه وبين الرتبة الأولى مرتبة وسطى.
فصل : وتنفرد هذه الأفعال عن بقية الأفعال بخمسة أشياء :
أحدها : إضمار الشأن فيها كما أضمر في (كان).
والثاني : تعليقها عن العمل في المواضع الثلاثة التي ذكرت.
__________________
وقول الآخر
كذاك أدّبت ، حتّى صار من خلقي |
|
أنّي وجدت ملاك الشّيمة الأدب |
والتعليق إبطال عمل الفعل القلبيّ لفظا لا محلا ، لمانع ، فتكون الجملة بعده في موضع نصب على أنها سادّة مسدّ مفعوليه ، مثل علمت لخالد شجاع».
فيجب تعليق الفعل ، إذا كان هناك مانع من إعماله. وذلك إذا وقع بعده أحد أربعة أشياء :
١ ـ ما وإن ولا النافيات نحو «علمت ما زهير كسولا. وظننت إن فاطمة مهملة. ودخلت لا رجل سوء موجود. وحسبت. لا أسامة بطيء ، ولا سعاد» ، قال تعالى (لَقَدْ عَلِمْتَ ، ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ).
٢ ـ لام الابتداء ، مثل علمت «لأخوك مجتهد. وعلمت إنّ أخاك لمجتهد». قال تعالى (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ.)
٣ ـ لام القسم ، كقول الشاعر
ولقد علمت لتأتينّ منيّتي |
|
إنّ المنايا لا تطيش سهامها |
٤ ـ الاستفهام ، سواء أكان بالحرف ، كقوله تعالى : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ؟) أم بالاسم ، كقوله عزوجل : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً؟ ،) وقوله : (لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً؟.) وسواء أكان الاستفهام مبتدأ ، كما في هذا الآيات ، أم خبرا ، مثل «علمت متى السّفر؟» ، أم مضافا إلى المبتدأ ، مثل «علمت فرس أيهم سابق؟» أم إلى الخبر ، مثل «علمت ابن من هذا؟».
وقد يعلق الفعل المتعدي ، من غير هذه الأفعال ، عن العمل ، كقوله تعالى : (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) وقوله : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ)
وقد اختصّ ما يتصرّف من أفعال القلوب بالإلغاء والتّعليق. فلا يكونان في «هب وتعلم» ، لأنهما جامدان.