والثالث : أن تدخل لام الابتداء على المفعول الأوّل كقوله : علمت لزيد منطلق ولا يجوز هنا غير الرفع ؛ لأن الفعل وإن كان مقدّما عاملا ، ولكنه ضعيف إذ كان من أفعال القلب ، والغرض منه : ثبوت الشك أو العلم في الخبر ، ومن ههنا أشبهت هذه الأفعال الحروف ؛ لأنها أفادت معنى في غيرها واللام وإن لم تكن عاملة ولكنها قويت بشيئين :
أحدهما : لزوم تصدرها كما لزم تصدّر الاستفهام والنفي.
والثاني : أنّها مختصّة بالمبتدأ ومحقّقة له ، وإذا كانت اللام أقوى من هذا الفعل في باب الابتداء ، وكانت الجملة التي دخلت عليها هذه الأفعال مبتدأ وخبرا في الأصل لزم أن يمنع من عمل ما قبلها فيما بعدها لفظا ؛ ولهذا كسرت (إنّ) لوقوع اللام في الخبر وهذا مع أنّها لم تتصدّر.
فصل : وإذا توّسطت بين المفعولين جاز الإعمال والإلغاء وإنّما كان كذلك ؛ لأنها ضعيفة لما ذكرنا من قبل ، وقد ازدادت ضعفا بالتأخير ، ألا ترى أنّ الفعل الذي لا يلغى إذا تأخر حسن دخول اللام على مفعوله كقولك : (لزيد ضربت) ولا يحسن : (ضربت لزيد) فقد ازراد ضعفها بالتأخير ، وبدئ باسم يصلح أن يكون مبتدأ إذ لا عامل لفظيّ قبله وبعده ، وما يصلح أن يكون خبرا عنه غير (ظننت) ، والغرض حاصل من الرفع كما يحصل من النصب فجاز إلغاء الظنّ كما أنّ القسم يلغى إذا توسّط أو تأخر ، وهذه الأفعال تشبه القسم في جواز تلقّيها بالجملة ، وذلك مع : (اللام) و (ما) نحو : علمت لزيد منطلق ، وكقوله تعالى : (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) [فصلت : ٤٨] وأمّا إعمالها فلأنّها فعل متصرّف فعملت مؤخرة كما تعمل مقدمة (١).
__________________
(١) الإلغاء إبطال عمل الفعل القلبيّ الناصب للمبتدأ والخبر لا لمانع ، فيعودان مرفوعين على الابتداء والخبر ، مثل «خالد كريم ظننت».
والإلغاء جائز في أفعال القلوب إذا لم تسبق مفعوليها. فإن توسطت بينهما فإعمالها وإلغاؤها سيّان. تقول «خليلا ظننت مجتهدا» و «خليل ظننت مجتهد». وإن تأخرت عنهما جاز أن تعمل وإلغاؤها أحسن ، تقول «المطر نازل حسبت» ، و «الشمس طالعة خلت». فإن تقدّمت مفعوليها ، فالفصيح الكثير إعمالها ، وعليه أكثر النّحاة ، تقول «رأيت الحقّ أبلج». ويجوز إهمالها على قلة وضعف ، وعليه بعض النّحاة ، ومنه قول الشاعر :
أرجو وآمل أن تدنو مودّتها |
|
وما إخال لدينا منك تنويل |