فصل : وإذا قلت : (زيد أفره عبد) فجررت كان زيد عبدا ؛ لأن أفعل لا تضاف إلا إلى ما هي بعضه ، والأصل : (زيد أفره العبيد) فاختصر وأن نصبت فقلت : (أفره عبدا لم يكن زيد عبدا بل كان العبيد له) والوصف في المعنى لعبيده ، أي : عبيده أفره العبيد ، كما تقول : هو أكثر مالا وأقل شرّا.
فصل : ومن التمييز : (طبت به نفسا) ، ف (نفسا) منصوب بالفعل ، وأصله : طابت نفسي به ، ثمّ أردت المبالغة فنسبت الطيب إليك فجعلت ما كان مضافا إليه فاعلا (١).
فحدث من أجل ذلك إبهام فأمكن أن يكون طبت به نسبا وعرضا وثوبا وذكرا ؛ فإذا قلت : (نفسا) بيّنت الطيب إلى أيّ شيء هو منسوب في الحقيقة ، وانتصاب (نفس) على تشبيه اللازم بالمتعدي ؛ لأن (طبت) لا تتعدّى.
فصل : ولا يجوز تقديم المنصوب هنا على الفعل ، وقال المازنيّ والمبرّد والكوفّيون : هو جائز ، كقولك : نفسا طبت به.
وحجّة الأوّلين : أنّ المنصوب هنا فاعل في المعنى ، وإنما حول عن ذلك ونسب الفعل إلى المضاف إليه مبالغة ، ثّم ميّز بذكر ما هو فاعل في الأصل ، فلو قدم لصار كتقديم الفاعل على
__________________
(١) من تمييز النسبة الاسم الواقع بعد ما يفيد التّعجّب ، نحو «ما أشجعه رجلا. أكرم به تلميذا. يا له رجلا. لله درّه بطلا. ويحه رجلا. حسبك بخالد شجاعا. كفى بالشّيب واعظا. عظم عليّ مقاما ، وارتفع ربتة».
وهو على قسمين محوّل وغير محوّل.
فالمحوّل ما كان أصله فاعلا ؛ كقوله تعالى (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ،) ونحو «ما أحسن خالدا أدبا!» ، أو مفعولا ، كقوله سبحانه (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً ،) ونحو «زرعت الحديقة شجرا» ، أو مبتدأ ، كقوله عزوجل (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) ، ونحو «خليل أوفر علما وأكبر عقلا».
وحكمه أنه منصوب دائما. ولا يجوز جرّه بمن أو بالإضافة ، كما رأيت. وغير المحول ما كان غير محوّل عن شيء ، نحو «أكرم بسليم رجلا. سموت أديبا. عظمت شجاعا ، لله درّه فارسا ، ملأت خزائني كتبا. ما أكرمك رجلا».
وحكمه أنه يجوز نصبه ، كما رأيت ، ويجوز جره بمن ، نحو «لله درّه من فارس. أكرم به من رجل. سموت من أديب».