والوجه الثاني : أنّ التعبير عن الأكثر جائز فدخل الاستثناء ليرفع الاحتمال وتعيينه للأكثر وهو عكس التوكيد ؛ لأنه يعينه للكل ويمنع من حمله على الأكثر كقولهم : قام القوم كلهم.
فصل : وإنما يختار النصب دون البدل في غير الجنس ؛ لأن البدل في حكم المبدل منه فيما ينسب إليه ، وفي أنه يسقط الأول ويقوم الثاني مقامه ، فعند ذلك يصير أصلا في الجملة وكونه من غير الجنس لا يلزم ذكره ؛ لأن اللفظ الأول لا يشتمل عليه حتى يخرج بالاستثناء فيتمحض فضلة في المعنى فيجعل صفة في اللفظ وهو كقولك : (ما بالدار أحد إلا وتدا) ومن اختار البدل راعى اللفظ ، وفائدة استثناء غير الجنس ثلاثة أشياء : الإعلام بعموم الأول ، وأن الثاني من آثار الأول ، وإثبات ما كان يحتمل نفيه.
فصل : ومما قام مقام إلا من الأفعال : (ليس) و (لا يكون) و (عدا) وما بعدهن منصوب ، وإنما دخلت هذه الأفعال في الاستثناء لما فيها من معنى النفي ، وما بعد : (ليس) و (لا يكون) خبر لهما كقولك : (قام القوم ليس زيدا) أي : ليس بعضهم زيدا ، والضمير ههنا يوجد على كل حال ؛ لأنه ضمير : (بعض) و (لا يكون) اسمها مظهرا هنا للاختصار و (لا يكون) ك (إلا) في أنه ليس بعدها سوى المنصوب ؛ ولذلك لا يجوز العطف على المنصوب بها فلا تقول : جاء القوم ليس زيدا ولا عمرا.
وأمّا : (ما عدا) و (ما خلا) فأفعال كلها ؛ لأنها صلات ل (ما) ولا تكون الحروف صلة ، والفاعل فيها مضمر ، وموضع ما وصلتها حال كقولك : (قام القوم ما عدا زيدا) أي : عدوّ زيد ، والمصدر هنا حال ، أي : متجاوزين زيدا.
فصل : وإنّما تعين النصب في المستثنى إذا تقدّم ولم يجز البدل ؛ لأن البدل تابع للمبدل منه كالصفة والتوكيد ، وكما لا يجوز تقديمهما لئلّا يصيرا في موضع المتبوع كذلك هنا فيجب أن يخرج مخرج الفضلات ليكون في لفظه دلالة على أنّه ليس بأصل.
فصل : وإنّما أعربت (غير) إعراب الاسم الواقع بعد (إلا) ؛ لأنها اسم تلزمه الإضافة فمن حيث كانت اسما يجب أن تعرب ومن حيث أضيفت يحب أن يكون إعرابها إعراب الاسم المستثنى ؛ لأنها اسم في حيّز المستثنى ولم يحتّج إلى حرف مقّو لإبهامها وشبهها بالظرف فيصل الفعل إليها بنفسه.