وذهب بعضهم إلى أنّه مجرور ب (من) محذوفة لأنّك تظهرها كقولك : كم من جبل ونحوه ، وكم من عبد ولّما عرف موضعها بقي عملها بعد حذفها كما في ربّ مع الواو والمذهب الأوّل أقوى ؛ لأن حرف الجرّ ضعيف فلا يبقى عمله بعد حذفه ؛ ولهذا كّل موضع حذفت فيه حرف الجرّ نصبته إلا في مواضع دعت الضرورة إلى تقدير عمل الحرف المحذوف ولا ضرورة ههنا ؛ لأن : (كم) اسم والإضافة من أحكام الأسماء.
فإن قلت : لو كان مضافا لأعرب ك (قبل) و (بعد)؟
قيل : هذا غير لازم ، فإنّ (لدن) مبنية مع الإضافة.
فصل : ولا تميز الاستفهاميّة إلا بالمفرد ؛ لأنها كالعدد الذي نابت عنه ، وأمّا الخبريّة فالجيّد فيها كذلك ؛ لأنها ك (مائة وألف) ويجوز أن تبيّن بالجمع حملا على العشرة وما دونها.
__________________
ـ ويجوز الفصل بينها وبين مميّزها. فإن فصل بينهما وجب نصبه على التّمييز ، لامتناع الإضافة مع الفصل ، نحو «كم عندك درهما!» ، ونحو «كم لك يا فتى فضلا!» أو جرّه بمن ظاهرة ، نحو «كم عندك من درهم!». ونحو «كم لك يا فتى من فضل!». إلّا إذا كان الفاصل فعلا متعدّيا متسلّطاعلى «كم» ، فيجب جرّه بمن ، نحو «كم قرأت من كتاب» ، كيلا يلتبس بالمفعول به فيما لو قلت «كم قرأت كتابا».
(وذلك لأن الجملة الأولى تدل على كثرة الكتب التي قرأتها ، والجملة الأخرى تدلّ على كثرة المرّات التي قرأت فيها كتابا. فكم في الصورة الأولى في موضع نصب على أنها مفعول به مقدم لقرأت ، وفي الصورة الأخرى في موضع نصب على أنها مفعول مطلق له. لأنها كناية عن المصدر ، والتقدير كم قراءة قرأت كتابا فيكون تمييزها محذوفا).
ويجوز في نحو «كم نالني منك معروف!» ، أن ترفعه على أنه فاعل «نال» ، فيكون تمييز «كم» مقدّرا ، أي «كم مرّة!». ويجوز أن تنصبه على التمييز ، فيكون فاعل «نال» ضميرا مستترا يعود إلى «كم».
وحكم «كم» الخبريّة ، في الإعراب ، كحكم «كم» الاستفهامية تماما ، والأمثلة لا تخفى.
واعلم أنّ «كم» الاستفهامية مو «كم» الخبريّة ، لا يتقدّم عليهما شيء من متعلّقات جملتيهما ، إلا حرف الجرّ والمضاف ، فهما يعملان فيهما الجرّ. فالأولى نحو «بكم درهما اشتريت هذا الكتاب؟» ونحو «ديوان كم شاعرا قرأت؟» ، والثانية نحو «إلى كم بلد سافرت!» ونحو «خطبة كم خطيب سمعت فوعيت!».
وحكم مميّزها أن يكون مفردا ، نكرة ، مجرورا بالإضافة إليها أو بمن ، نحو «كم علم قرأت!» ونحو «كم من كريم أكرمت!». ويجوز أن يكون مجموعا ، نحو «كم علوم أعرف!». وإفراده أولى.