ومعظم النحويّين يقول : حملت على نقيضتها وهي : (ربّ) والحقّ ما خبرتك به ، وهو معنى كلامهم لأنّهم لا يعنون أنّ حكم الشيئين واحد لعلّة تضادّهما بل بين الضدّين معنى يشتركان فيه.
فصل : وبنيت على السكون ؛ لأنه الأصل ولم يوجد مانع من خروجه على ذلك.
فصل : وإنّما افتقرت (كم) إلى (مبيّن) ؛ لأنها اسم لعدد مبهم فيذكر بعدها ما يدلّ على الجنس المراد بها.
فصل : وإنّما ميّزت الاستفهامية بالمنصوب ؛ لأنها جعلت بمنزلة عدد متوسّط وهو من أحد عشر إلى تسعة وتسعين ؛ لأن المستفهم جاهل بالمقدار فجعلت للوسط بين القليل والكثير.
فصل : والحكمة في وضعها الاختصار والعموم الذي لا يستفاد بصريح العدد ، ألا ترى أنّك إذا قلت : (أعشرون رجلا جاءك؟) لم يلزمه أن يجيبك بكميّة بل يقول : (لا) أو : (نعم) ، وإذا قال : (لا) لم يحصل لك منه غرض السؤال مع الإطالة ، وإذا قلت : (كم رجلا جاءك؟) استغنيت عن لفظ الهمزة والعدد وألزمت الجواب بالكميّة.
فإن قيل : لو كانت : (كم) هنا للوسط من العدد لم جاز أن يبدل منها القليل ولا الكثير ، وقد جاز أن تقول : (كم رجلا جاءك؟ أخمسة أم أكثر؟ أو مائة أو أكثر؟).
قيل : الجيّد في مثل هذا أن يبدل منها العدد الوسط لما ذكرنا ، وإنّما جاز خلافه ؛ لأن (كم) مبهمة في نفسها تحتمل القليل والكثير والوسط ؛ ولهذا يصحّ الجواب بكّل منها ، وإنّما جعلت بمنزلة الوسط في نصب المميّز فقط.
فصل : وأمّا (كم) الخبريّة (١) فتجرّ ما بعدها ؛ لأنها اسم بيّن بعدد مجرور فكان هو الجار ك (مائة رجل) ونحوه.
__________________
(١) كم الخبريّة هي التي تكون بمعنى «كثير» وتكون إخبارا عن عدد كثير مبهم الكميّة ، نحو «كم عالم رأيت!» ، أي رأيت كثيرا من العلماء ولا تقع إلّا في صدر الكلام ، ويجوز حذف مميّزها ، إن دلّ عليه دليل ، نحو «كم عصيت أمري!» ، أي «كم مرّة عصيته!».