أحدها : ابتداء غاية المكان كقولك : سرت من البصرة ، فالبصرة مبتدأ السير ، وقال ابن السرّاج : تكون (من) لابتداء غايه الفعل من الفاعل كما ذكرناه ولابتداء غاية الفعل من المفعول كقولك : نظرت من الدار إلى الهلال من خلل السحاب ف (من الدار) مكان الفاعل و (من خلل السحاب) مكان المفعول وقال غيره.
(من خلل السحاب) حال من الهلال ويمكن أن يكون : (من الدار) حالا من الناظر.
والثاني : التبعيض وعلامته أن يصلح مكانها : (بعض) كقولك : أخذت من المال ، وقال المبرّد : هي لابتداء المكان أيضا والتبعيض مستفاد بقرينة ، فإنّ قلت : أخذت من زيد مالا جاز أنّ تعلّق (من) بأخذت وأنّ تجعلها حالا من المال ، أي : مالا من زيد ، فلما قدّمت صفة النكرة صارت حالا.
__________________
فِيهِ.) وترد أيضا لابتداء الغاية في الأحداث والأشخاص. فالأول كقولك «عجبت من إقدامك على هذا العمل» ، والثاني كقولك «رأيت من زهير ما أحبّ».
٢ ـ التّبعيض ، أي معنى «بعض» ، كقوله تعالى (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) أي بعضه ، وقوله «منهم من كلّم الله» ، أب بعضهم. وعلامتها أن يخلفها لفظ «بعض».
٣ ـ البيان ، أي بيان الجنس ، كقوله تعالى (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ.) قوله (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) وعلامتها أن يصحّ الإخبار بما بعدها عمّا قبلها ، فتقول الرجس هي الأوثان ، والأساور هي ذهب.
واعلم أن «من» البيانيّة ومجرورها في موضع الحال مما قبلها ، إن كان معرفة ، كالآية الأولى ، وفي موضع النّعت له إن كان نكرة ، كالآية الثانية. وكثيرا ما تقع «من البيانيّة» هذه بعد «ما ومهما» ، كقوله تعالى (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) وقوله (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) وقوله (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ.)
٤ ـ التأكيد ، وهي الزائدة لفظا ، أي في الإعراب ، كقوله تعالى (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ ،) وقوله (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) أي «بدلكم» ، وقوله (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي بدل الله ، والمعنى بدل طاعته أو رحمته. وقد تقدّم معنى البدل في الكلام على الباء.
٦ ـ الظّرفيّة ، أي معنى (في) ، كقوله سبحانه (ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) أي فيها ، وقوله (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ،) أي في يومها.
٧ ـ السّببيّة والتّعليل ، كقوله تعالى (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) قال الشاعر
يغضي حياء ، وبغضى من مهابته |
|
فما يكلّم إلّا حين يبتسم |
٨ ـ معنى «عن» ، كقوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) وقوله (يا وَيْلَنا! قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا.)