وإنّما ساغ ذلك لتقدم الخطاب ، وقد حكي عن بعض العرب أنّه قال : عليه رجلا ليسي يريد ليطلب رجلا غيري ، والأصل : ليس إيّاي فحصل في الحكاية شذوذ من وجهين ، وحكي عن بعضهم أنّه قيل له : إليك ، فقال : إليّ أي ، قيل له : تنحّ ، فقال : اتنحى وهذا خبر.
فصل : وهذه الأسماء في لزومها وتعديها على حسب ما نابت عنه ف (صه) و (مه) و (واها) لازمة ؛ لأن (صه) ناب عن اسكت. (ومه) عن (اكفف). و (واها) عن (اتعجب).
ومنها ما يتعدى بحرف الجر كقولك : (عليك بالرفق) كأنك قلت : تخلّق به.
ومنها ما يتعدى بنفسه كقولك : (تراك زيدا ومناعه) أي : اتركه وأمنعه.
فصل : وأمّا ما جاء منها خبرا فهو : (شتان) وهو اسم ل (افترق) ولا يكون فاعله إلا اثنين كقولك : شتّان زيد وعمرو ، أي : افترقا حملا على أصله ، وقد تزاد معه : (ما) كما قال الشاعر (١) : [السريع]
شتّان ما يومي على كورها |
|
ويوم حيّان أخي جابر |
فأمّا قول العامّة : شتان بين فلان وفلان فخطأ لعدم الفاعلين ، والحكم بزيادة (بين) هنا خطأ ؛ لأنها لم تزد في شيء من الكلام أصلا ، وإنّما تكرّر في بعض المواضع توكيدا ، ولأنّها لو كانت زائدة هنا لم يبق لشتان فاعل إذ كان ما بعدها مجرورا لا في موضع المرفوع ، إذ كانت (بين) لم تزد للتوكيد كما في قولك : ما جاءني من رجل ، فأمّا (شتّان ما بين زيد وعمرو) فأجازه الأصمعي ومنعه غيره.
فصل : وأمّا (هيهات) فبمعنى : (بعد) ومنه :
هيهات منزلنا بنعف سويقة
أي : بعد فأمّا قوله تعالى : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) [المؤمنون : ٣٦] فقيل : اللام زائدة ، و (ما) الفاعل ، وقيل : ليست زائدة والفاعل مضمر ، والتقدير : بعد التصديق لما توعدون.
فصل : وأمّا (رويد) فتستعمل مصدرا كقولك : (رويد زيد) أي : إمهال زيد ، ومنه قوله :
(فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤] وتكون صفة كقولك : ضعه وضعا رويدا ، وهي معربة فيهما
__________________
(١) البيت من شعر الأعشى.