فصل : وإنّما لم تثن الحروف لثلاثة أوجه :
أحدها : أنّها نائبة عن الأفعال ، وإذا تعذّر ذلك في الأصل ففي النائب أولى.
والثاني : أنّ الحرف جنس واحد كالفعل.
والثالث : أنّ معنى الحرف في غيره ، فلو ثنّيت الحرف لأثبت له معنيين فيما معناه فيه ، وذلك ممتنع ؛ لأن معنى الحرف غير متعدّد.
فصل : وكلّ ما تنكّرت معرفته أو تعرّفت نكرته صحّت تثنيته ؛ لأن أصل المثنىّ العطف ، وإذا استوى لفظ الاسمين وقع الاشتراك بينهما فصارا نكرتين.
ولهذا يدخل الألف واللام على المثّنى ، وإن كان معرفة قبل ذلك نحو : (الزيدان) فأمّا : (اللذان) (١) فليس بتثنية صناعيّة ؛ لأنه لا يتمّ إلا بالصلة والتثنية الصناعيّة لا تكون إلا بعد تمام الاسم ، وإنما هي صيغة للدلالة على التثنية وكذلك : (هذان) ؛ لأن (هذا) يقرب من المضمر والمضمر لا يثنّى بل يصاغ منه لفظ يدلّ على الاثنين ، وليس (أنتما) تثنية (أنت) في اللفظ ومن هنا بقي على تعريفه بعد التثنية.
فصل : وإذا أردت تثنية الجمل قلت : (هذان ذوا تأبّط شرا) أو اللذان يقال لكلّ واحد منهما تأبّط شرا لما تقدّم من استحالة تثنية الجملة ، وكذلك الأصوات والعلم المضاف إلى اللقب نحو : (قيس قفّة) و (ثابت قطنة).
فصل : في مجاز التثنية من ذلك قولهم : (مات حتف أنفيه) أي : منخريه ، و (هو يؤامر نفسيه) أي : نفسه تأمره بأشياء متضادّة كالبخل والجود ونحوهما فكأنّ له نفسين ومنه : (القمران) للشمس والقمر فسمّي الشمس قمرا عند التثنية ؛ لأن القمر مذكّر ، ومنه : (العمران) في أبي بكر وعمر فغلّب عمر ؛ لأنه اسم مشهور وأبو بكر كنية والاسم أخفّ
__________________
(١) الموصول الاسمي فالذي للمفرد المذكر والتي للمفرد المؤنثة فإن ثنيت أسقطت الياء وأتيت مكانها بالألف في حالة الرفع نحو اللذان واللتان والياء في حالتي الجر والنصب فتقول اللذين واللتين ، وإن شئت شددت النون عوضا عن الياء المحذوفة فقلت اللذان واللتان وقد قرىء : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) ويجوز التشديد أيضا مع الياء وهو مذهب الكوفيين فتقول اللذين واللتين وقد قرىء : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ) بتشديد النون ، وهذا التشديد يجوز أيضا في تثنية ذا وتا اسمي الإشارة فتقول ذان وتان وكذلك مع الياء فتقول ذين وتين وهو مذهب الكوفيين والمقصود بالتشديد أن يكون عوضا عن الألف المحذوفة.