ويبطل مذهب الفرّاء أيضا : أنّ هذه الحروف تدلّ على معان لا تدلّ عليها الحركات من التثنية والجمع ، وإنّما دلّت على الإعراب تبعا لا أصلا.
فإن قيل : لو كانت حروف إعراب لم تقع تاء التأنيث قبلها في نحو : (شجرتان)؟
قيل : لمّا كانت هذه الحروف دالّة على الإعراب من وجه وحرف إعراب من وجه جاز وقوع تاء التأنيث قبلها من حيث هي دالّة على الإعراب لا من حيث هي حروف إعراب ، وإنّما روعي ذلك ؛ لأن التأنيث معنى نحافظ عليه كما أنّ التثنية كذلك.
فصل : واختلف النحويّون في زيادة النون في التثنية والجمع لماذا زيدت فمذهب سيبويه وجمهور البصريّين أنّها عوض من الحركة والتنوين (١).
ومن البصريّين من قال تكون عوضا منهما في نحو : (رجلان) ومن الحركة في نحو :
(الرجلان) ومن التنوين في نحو : (غلاما زيد) ومنهم من قال : هي بدل من الحركة في كل موضع ، ومنهم من قال من التنوين في كلّ موضع.
وقال الفرّاء : فرّق بها بين التثنية وبين المنصوب المنوّن في الوقف.
والدلالة على الأوّل من وجهين :
أحدهما : أنّ الاسم مستحقّ الحركة والتنوين ، وقد تعذّرا في التثنية والجمع والتعويض منهما ممكن والنون صالحة لذلك ورأينا العرب أثبتتها فيهما ففهم أنّهم قصدوا التعويض رعاية للأصل ، ومثل ذلك ثبوت النون في الأمثلة الخمسة عوضا من الضمّ.
__________________
(١) تلحق النّون في أوائل الأفعال ، إذا خبّر المتكلّم عنه ، وعن غيره كقولك : «نحو نذهب» أو تلحق ثانية مثل «منجنيق» وزنه فنعليل ، بدليل ، جمعه على مجانيق بدون النّون ، و «جندب» و «عنظب» (العنظب : الجراد الضخم) لأنّه لا يجيء على مثال فعلل شيء إلا وحرف الزّيادة لازم له ، وتلحق رابعة في : «رعشن» و «ضيفن» لأنّ رعشن من الارتعاش ، وضيفن : إنما هو الجائي مع الضيف.
وتزاد النّون مع الياءات والواو والألف في التّثنية والجمع ، في رجلين ومسلمين ومسلمون ، وكذلك تزاد النون مع الألف في رجلان. وتزاد النّون علامة للصّرف ـ وهو التنوين ـ في نحو قولك : هذا زيد ورأيت زيدا ، فالتنوين لفظه نون ، وإن لم يكتب. وتزاد في الفعل لتوكيده مفردة في قولك : «اضربن زيدا» ومضاعفة في «أكرمنّ زيدا».