وإنّما وجب أن يكون اسما ؛ لأنه مخبر عنه ولا يصحّ الإخبار عن غير الاسم ، وأمّا قولهم : (تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه) فتقديره : (أن تسمع) فلم يخبر عن الفعل إذن ، وإنّما شرط فيه التجرّد من العامل اللفظيّ ؛ لأن العامل اللفظيّ إذا تقدّم عليه عمل فيه ينسب إليه أكان فاعلا أو ما أشبهه.
وأما قولهم : (بحسبك قول السوء) فالباء زائدة ، وقد علمت في لفظ الاسم والموضع مرفوع وشرط فيه الإسناد لتحصل الفائدة.
وقد قال النحويّون : المبتدأ معتمد البيان ، والخبر معتمد الفائدة ، ومن ههنا شرط في المبتدأ أن يكون معرفة أو قريبا منها ليفيد الإخبار عنه إذ الخبر عمّا لا يعرف غير مفيد ، وقد جاءت نكرات أفاد الإخبار عنها وسنراها إن شاء الله تعالى.
فصل : واختلفوا في العامل في المبتدأ على خمسة أقوال :
أحدها : أنّه الابتداء وهو كون الاسم أوّلا مقتضيا ثانيا ، وهذا هو القول المحقّق وإليه ذهب جمهور البصريين (١).
والقول الثاني : أنّ العامل فيه تجرّده عن العوامل اللفظيّة وإسناد الخبر إليه روي عن المبرّد وغيره.
والثالث : أنّ العامل فيه ما في النفس من معنى الإخبار روي عن الزجّاج.
__________________
والثاني : أن المبتدأ الذي له خبر لا يحتاج الى شيء يعتمد عليه والمبتدأ المستغني عن الخبر لا بد أن يعتمد على نفي أو استفهام كما مثّلنا.
(١) قال ابن عقيل في شرحه على الألفية : مذهب سيبويه وجمهور البصريين أن المبتدأ مرفوع بالابتداء وأن الخبر مرفوع بالمبتدأ ، فالعامل في المبتدأ معنوي وهو كون الاسم مجردا عن العوامل اللفظية غير الزائدة وما أشبهها واحترز بغير الزائدة من مثل بحسبك درهم فبحسبك مبتدأ وهو مجرد عن العوامل اللفظية غير الزائدة ولم يتجرد عن الزائدة فإن الباء الداخلة عليه زائدة واحترز بشبهها من مثل رب رجل قائم فرجل مبتدأ وقائم خبره ويدل على ذلك رفع المعطوف عليه نحو رب رجل قائم وامرأة.
والعامل في الخبر لفظي وهو المبتدأ وهذا هو مذهب سيبويه رحمهالله ، وذهب قوم إلى أن العامل في المبتدأ والخبر الابتداء فالعامل فيهما معنوي ، وقيل المبتدأ مرفوع بالابتداء والخبر مرفوع بالابتداء والمبتدإ ، وقيل ترافعا ومعناه أن الخبر رفع المبتدأ وأن المبتدأ رفع الخبر ، وأعدل هذه المذاهب مذهب سيبويه وهو الأول وهذا الخلاف مما لا طائل فيه.