للتعجيب منه حتى لا تغفل عن حال قولهم أذهان السامعين كلفظ (تقول) في بيت هذلول العنبري من شعراء الحماسة :
تقول وصكّت صدرها بيمينها |
|
أبعلي هذا بالرّحى المتقاعس |
وفي المضارع مع ذلك إيذان بتجدد مقالتهم هذه وأنهم لا يقلعون عنها على الرغم مما جاءهم من البينات رغم افتضاحهم بالعجز عن معارضته.
والضمير المرفوع في (افْتَراهُ) عائد إلى النبي صلىاللهعليهوسلم لأنه معلوم من مقام حكاية مقالهم المشتهر بين الناس ، والضمير المنصوب عائد إلى (الْكِتابِ) [السجدة : ٢]. وأضرب على قولهم (افْتَراهُ) إضراب إبطال ب (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) لإثبات أن القرآن حق ، ومعنى الحق : الصدق ، أي : فيما اشتمل عليه الذي منه أنه منزّل من الله تعالى. وتعريف (الْحَقُ) تعريف الجنس المفيد تحقيق الجنسية فيه. أي : هو حق ذلك الحق المعروفة ماهيته من بين الأجناس والمفارق لجنس الباطل. وفي تعريف المسند بلام الجنس ذريعة إلى اعتبار كمال هذا الجنس في المسند إليه وهو معنى القصر الادعائي للمبالغة نحو : أنت الحبيب وعمرو الفارس.
و (مِنْ رَبِّكَ) في موضع حال من (الْحَقُ) ، والحق الوارد من قبل الله لا جرم أنه أكمل جنس الحق. وكاف الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم. واستحضرت الذات العلية هنا بعنوان (رَبِّكَ) لأن الكلام جاء ردا على قولهم (افْتَراهُ) ، يعنون النبي صلىاللهعليهوسلم فكان مقام الرد مقتضيا تأييد من ألصقوا به ما هو بريء منه بإثبات أن الكتاب حق من ربّ من ألصقوا به الافتراء تنويها بشأن الرسول عليه الصلاة والسلام وتخلصا إلى تصديقه لأنه إذا كان الكتاب الذي جاء به حقا من عند الله فهو رسول الله حقا.
وقد جاءت هذه الآية على أسلوب بديع الإحكام إذ ثبت أن الكتاب تنزيل من رب جميع الكائنات ، وأنه يحق أن لا يرتاب فيه مرتاب ، ثم انتقل إلى الإنكار والتعجيب من الذين جزموا بأن الجائي به مفتر على الله ، ثم رد عليهم بإثبات أنه الحق الكامل من ربّ الذي نسبوا إليه افتراءه فلو كان افتراه لقدر الله على إظهار أمره كما قال تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) [الحاقة : ٤٤ ـ ٤٧]. ثم جاء بما هو أنكى للمكذبين وأبلغ في تسفيه أحلامهم وأوغل في النداء على إهمالهم النظر في دقائق المعاني ، فبين ما فيه تذكرة لهم ببعض
المصالح التي جاء لأجلها هذا الكتاب بقوله : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ