قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) فقد جمعوا من الجهالة ما هو ضغث على إبّالة ، فإن هذا الكتاب ، على أن حقيته مقتضية المنافسة في الانتفاع به ولو لم يلفتوا إلى تقلده وعلى أنهم دعوا إلى الأخذ به وذلك مما يوجب التأمل في حقّيته ؛ على ذلك كلّه فهم كانوا أحوج إلى اتباعه من اليهود والنصارى والمجوس لأن هؤلاء لم تسبق لهم رسالة مرسل فكانوا أبعد عن طرق الهدى بما تعاقب عليهم من القرون دون دعوة رسول فكان ذلك كافيا في حرصهم على التمسك به وشعورهم بمزيد الحاجة إليه رجاء منهم أن يهتدوا ، قال تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ* أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ* أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها) [الأنعام : ١٥٥ ـ ١٥٧] ، فمثل هؤلاء المكذبين كمثل قول المعري :
هل تزجرنّكم رسالة مرسل |
|
أم ليس ينفع في أولاك ألوك |
والقوم : الجماعة العظيمة الذين يجمعهم أمر هو كالقوام لهم من نسب أو موطن أو غرض تجمعوا بسببه. وأكثر إطلاقه على الجماعة الذين يرجعون في النسب إلى جدّ اختصوا بالانتساب إليه. وتميزوا بذلك عمن يشاركهم في جدّ هو أعلى منه ، فقريش مثلا قوم اختصوا بالانتساب إلى فهر بن مالك بن النضر بن كنانة فتميزوا عمن عداهم من عقب كنانة فيقال : فلان قرشي وفلان كناني ولا يقال لمن هو من أبناء قريش كناني.
ووصف القوم بأنهم (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ) قبل النبي صلىاللهعليهوسلم ، والنبي حينئذ يدعو أهل مكة ومن حولها إلى الإسلام وربما كانت الدعوة شملت أهل يثرب وكلّهم من العرب فظهر أن المراد بالقوم العرب الذين لم يأتهم رسول قبل محمد عليه الصلاة والسلام فإما أن يكون المراد قريشا خاصة ، أو عرب الحجاز أهل مكة والمدينة وقبائل الحجاز ، وعرب الحجاز جذمان : عدنانيون وقحطانيون ؛ فأما العدنانيون فهم أبناء عدنان وهم من ذرية إسماعيل وإنما تقومت قوميتهم في أبناء عدنان : وهم مضر وربيعة وأنمار ، وإياد. وهؤلاء لم يأتهم رسول منذ تقومت قوميتهم. وأما جدهم إسماعيل بن إبراهيم عليهماالسلام فإنه وإن كان رسولا نبيئا كما وصفه الله تعالى في سورة مريم ، فإنما كانت رسالته خاصة بأهله وأصهاره من جرهم ولم يكن مرسلا إلى الذين وجدوا بعده لأن رسالته لم تكن دائمة ولا منتشرة ، قال تعالى : (وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) [مريم : ٥٥].
وأما القحطانيون القاطنون بالحجاز مثل الأوس والخزرج وطيئ فإنهم قد تغيرت