ومفاد (إِنَّما) قصر إضافي ، أي يؤمن بآيات الله الذين إذا ذكروا بها تذكيرا بما سبق لهم سماعه لم يتريّثوا عن إظهار الخضوع لله دون الذين قالوا (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [السجدة : ١٠] ، وهذا تأييس للنبي صلىاللهعليهوسلم من إيمانهم ، وتعريض بهم بأنهم لا ينفعون المسلمين بإيمانهم ولا يغيظونهم بالتصلب في الكفر.
وأوثرت صيغة المضارع في (إِنَّما يُؤْمِنُ) لما تشعر به من أنهم يتجدّدون في الإيمان ويزدادون يقينا وقتا فوقتا ، كما تقدم في قوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) في سورة البقرة [١٥] ، وإلّا فإن المؤمنين قد حصل إيمانهم فيما مضى ففعل المضي آثر بحكاية حالهم في الكلام المتداول لو لا هذه الخصوصية ، ولهذا عرّفوا بالموصولية والصلة الدالّ معناها على أنهم راسخون في الإيمان ، فعبر عن إبلاغهم آيات القرآن وتلاوتها على أسماعهم بالتذكير المقتضي أن ما تتضمنه الآيات حقائق مقررة عندهم لا يفادون بها فائدة لم تكن حاصلة في نفوسهم ولكنها تكسبهم تذكيرا (فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات : ٥٥]. وهذه الصفة التي تضمنتها الصلة هي حالهم التي عرفوا بها لقوة إيمانهم وتميزوا بها عن الذين كفروا ، وليست تقتضي أن من لم يسجدوا عند سماع الآيات ولم يسبّحوا بحمد ربّهم من المؤمنين ليسوا ممّن يؤمنون ، ولكن هذه حالة أكمل الإيمان وهي حالة المؤمنين مع النبي صلىاللهعليهوسلم يومئذ عرفوا بها ، وهذا كما تقول للسائل عن علماء البلد : هم الذين يلبسون عمائم صفتها كذا. جاء في ترجمة مالك بن أنس أنه ما أفتى حتى أجازه سبعون محنّكا ، أي عالما يجعل شقة من عمامته تحت حنكه وهي لبسة أهل الفقه والحديث. قال مالك رحمهالله : قلت لأمي : أذهب فأكتب العلم ، فقالت : تعال فالبس ثياب العلم. فألبستني ثيابا مشمّرة ووضعت الطويلة على رأسي وعممتني فوقها.
والخرور : الهويّ من علوّ إلى سفل.
والسجود : وضع الجبهة على الأرض إرادة التعظيم والخضوع.
وانتصب (سُجَّداً) على الحال المبينة للقصد من (خَرُّوا) ، أي : سجدا لله وشكرا له على ما حباهم به من العلم والإيمان كما دل عليه قرنه بقوله (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ). والباء فيه للملابسة وتقدم في سورة الإسراء [١٠٧] : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً).
ودلّت الجملة الشرطية على اتصال تعلق حصول الجواب بحصول الشرط وتلازمهما. وجيء في نفي التكبر عنهم بالمسند الفعلي لإفادة اختصاصهم بذلك ، أي دون المشركين