الذين كان الكبر خلقهم فهم لا يرضون لأنفسهم بالانقياد للنبي صلىاللهعليهوسلم منهم وقالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) [الفرقان : ٢١].
وقوله تعالى : (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) موضع سجدة من سجدات تلاوة القرآن رجاء أن يكون التالي من أولئك الذين أثنى الله عليهم بأنهم إذا ذكّروا بآيات الله سجدوا ، فالقارئ يقتدي بهم.
وجملة (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ) حال من الموصول ، أي : الذين إذا ذكّروا بها خرّوا ومن حالهم تتجافى جنوبهم عن المضاجع ، أو استئناف. وجيء فيها بالمضارع لإفادة تكرر ذلك وتجدده منهم في أجزاء كثيرة من الأوقات المعدة لاضطجاع وهي الأوقات التي الشأن فيها النوم.
والتجافي : التباعد والمتاركة. والمعنى : أن تجافي جنوبهم عن المضاجع يتكرر في الليلة الواحدة ، أي : يكثرون السهر بقيام الليل والدعاء لله ؛ وقد فسره النبي صلىاللهعليهوسلم بصلاة الرجل في جوف الليل ، كما سيأتي في حديث معاذ عند الترمذي.
و (الْمَضاجِعِ) : الفرش جمع مضجع ، وهو مكان الضجع ، أي : الاستلقاء للراحة والنوم. وأل فيه عوض عن المضاف إليه ، أي عن مضاجعهم كقوله تعالى : (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٤١]. وهذا تعريض بالمشركين إذ يمضون ليلهم بالنوم لا يصرفه عنهم تفكر بل يسقطون كما تسقط الأنعام. وقد صرح بهذا المعنى عبد الله بن رواحة بقوله يصف النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو سيد أصحاب هذا الشأن :
يبيت يجافي جنبه عن فراشه |
|
إذا استثقلت بالمشركين المضاجع |
وجملة (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) يجوز أن تكون حالا من ضمير (جُنُوبُهُمْ) والأحسن أن تجعل بدل اشتمال من جملة (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ).
وانتصب (خَوْفاً وَطَمَعاً) على الحال بتأويل خائفين وطامعين ، أي : من غضبه وطمعا في رضاه وثوابه ، أي هاتان صفتان لهم. ويجوز أن ينتصبا على المفعول لأجله ، أي لأجل الخوف من ربهم والطمع في رحمته.
ولما ذكر إيثارهم التقرب إلى الله على حظوظ لذاتهم الجسدية ذكر معه إيثارهم إياه على ما به نوال لذات أخرى وهو المال إذ ينفقون منه ما لو أبقوه لكان مجلبة راحة لهم فقال (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) أي : يتصدقون به ولو أيسر أغنياؤهم فقراءهم. ثم عظم الله