إذا جهرنا ولا يسمع إذا أخفينا. وقال الآخر : إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا ، فأنزل الله تعالى : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ)» [فصلت : ٢٢] فللتوكيد بحرف التحقيق موقع. ودخول (قَدْ) على المضارع لا يخرجها عن معنى التحقيق عند المحققين من أهل العربية ، وأن ما توهموه من التقليل إنما دل عليه المقام في بعض المواضع لا من دلالة (قَدْ) ، ومثله إفادة التكثير ، وتقدم ذلك عند قوله تعالى (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) في سورة البقرة [١٤٤] ، وقوله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) في آخر سورة النور [٦٤].
والمعوّق : اسم فاعل من عوّق الدال على شدة حصول العوق. يقال : عاقه عن كذا ، إذا منعه وثبطه عن شيء ، فالتضعيف فيه للشدة والتكثير مثل : قطّع الحبل ، إذا قطعه قطعا كبيرة ، و (غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) [يوسف : ٢٣] ، أي : أحكمت غلقها. ويكون للتكثير في الفعل القاصر مثل : موّت المال ، إذ كثر الموت في الإبل ، وطوّف فلان ، إذا أكثر الطواف ، والمعنى : يعلم الله الذين يحرصون على تثبيط الناس عن القتال. والخطاب بقوله (مِنْكُمْ) للمنافقين الذين خوطبوا بقوله (لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ) [الأحزاب : ١٦].
ويجوز أن يكون القائلون لإخوانهم (هَلُمَّ إِلَيْنا) هم المعوّقين أنفسهم فيكون من عطف صفات الموصوف الواحد ، كقوله :
إلى الملك القرم وابن الهمام
ويجوز أن يكونوا طائفة أخرى وإخوانهم هم الموافقون لهم في النفاق ، فالمراد : الأخوة في الرأي والدين. وذلك أن عبد الله بن أبيّ ، ومعتّب بن قشير ، ومن معهما من الذين انخذلوا عن جيش المسلمين يوم أحد فرجعوا إلى المدينة كانوا يرسلون إلى من بقي من المنافقين في جيش المسلمين يقولون لهم (هَلُمَّ إِلَيْنا) أي : ارجعوا إلينا. قال قتادة : هؤلاء ناس من المنافقين يقولون لهم : ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ـ أي نفر قليل يأكلون رأس بعير ـ ولو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان ومن معه ـ تمثيلا بأنهم سهل تغلب أبي سفيان عليهم ـ.
و (هَلُمَ) اسم فعل أمر بمعنى أقبل في لغة أهل الحجاز وهي الفصحى ، فلذلك تلزم هذه الكلمة حالة واحدة عندهم لا تتغير عنها ، يقولون : هلمّ ، للواحد والمتعدد المذكّر والمؤنّث ، وهي فعل عند بني تميم فلذلك يلحقونها العلامات يقولون : هلمّ وهلمّي