الدال وفتحها ـ لأنه يدور به زائروه كالطواف. وسميت الكعبة دوارا أيضا ، وسموا ما يحيط بالقمر دارة. وسميت مصيبة الحرب دائرة لأنهم تخيلوها محيطة بالذي نزلت به لا يجد منها مفرّا ، قال عنترة :
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر |
|
في الحرب دائرة على ابني ضمضم |
فمعنى (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ) أنها تضطرب في أجفانها كحركة الجسم الدائرة من سرعة تنقلها محملقة إلى الجهات المحيطة. وشبه نظرهم بنظر الذي يغشى عليه بسبب النزع عند الموت فإن عينيه تضطربان.
وذهاب الخوف مجاز مشهور في الانقضاء ، أي : زوال أسبابه بأن يترك القتال أو يتبين أن لا يقع قتال. وذلك عند انصراف الأحزاب عن محاصرة المدينة كما سيدل عليه قوله (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) [الأحزاب : ٢٠].
والسلق : قوة الصوت والصياح. والمعنى : رفعوا أصواتهم بالملامة على التعرض لخطر العدوّ الشديد وعدم الانصياع إلى إشارتهم على المسلمين بمسالمة المشركين ، وفسر السلق بأذى اللسان. قيل : سأل نافع بن الأرزق عبد الله بن عباس عن (سَلَقُوكُمْ) فقال : الطعن باللسان. فقال نافع : هل تعرف العرب ذلك؟ فقال : نعم ، أما سمعت قول الأعشى :
فيهم الخصب والسماحة والنج |
|
دة فيهم والخاطب المسلاق |
و (حِدادٍ) : جمع حديد ، وحديد : كل شيء نافذ فعل أمثاله قال تعالى (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق : ٢٢].
وانتصب (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) على الحال من ضمير الرفع في (سَلَقُوكُمْ) ، أي : خاصموكم ولاموكم وهم في حال كونهم أشحة على ما فيه الخير للمسلمين ، أي أن خصامهم إياهم ليس كما يبدو خوفا على المسلمين واستبقاء عليهم ولكنه عن بغض وحقد ؛ فإن بعض اللوم والخصام يكون الدافع إليه حبّ الملوم وإبداء النصيحة له ، وأقوال الحكماء والشعراء في هذا المعنى كثيرة.
ويجوز أن يكون الخير هنا هو المال كقوله تعالى (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) [البقرة : ١٨٠]. وقوله : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [العاديات : ٨] ، أي : هم في حالة السلم يسرعون إلى ملامكم ولا يواسونكم بأموالهم للتجهيز للعدوّ إن عاد إليكم. ودخلت (عَلَى) هنا على المبخول به.