والمعنى : يمنعونكم ما في وسعهم من المال أو المعونة ، أي : إذا حضروا البأس منعوا فائدتهم عن المسلمين ما استطاعوا ومن ذلك شحّهم بأنفسهم وكل ما يشحّ به.
ويجوز جعل (عَلَى) هنا متعدية إلى المضنون به ، أي كما في البيت الذي أنشده الجاحظ :
لقد كنت في قوم عليك أشحة |
|
بنفسك إلا أنّ ما طاح طائح |
وجعل المعنى : أشحة في الظّاهر ، أي يظهرون أنهم يخافون عليكم الهلاك فيصدونكم عن القتال ويحسّنون إليكم الرجوع عن القتال ، وهذا الذي ذهب إليه في «الكشاف». وفرع على وصفهم بالشح على المسلمين قوله (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ) إلى آخره.
والمجيء : مجاز مشهور من حدوث الشيء وحصوله. كما قال تعالى (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) [الإسراء : ٧].
و (الْخَوْفُ) : توقع القتال بين الجيشين ، ومنه سميت صلاة الخوف. والمقصود : وصفهم بالجبن ، أي : إذا رأوا جيوش العدوّ مقبلة رأيتهم ينظرون إليك. والظاهر أن الآية تشير إلى ما حصل في بعض أيام الأحزاب من القتال بين الفرسان الثلاثة الذين اقتحموا الخندق من أضيق جهاته وبين علي بن أبي طالب ومن معه من المسلمين كما تقدم.
والخطاب في (رَأَيْتَهُمْ) للنبي صلىاللهعليهوسلم وهو يقتضي أن هذا حكاية حالة وقعت لا فرض وقوعها ولهذا أتي بفعل (رَأَيْتَهُمْ) ولم يقل : فإذا جاء الخوف ينظرون إليك. ونظرهم إليه نظر المتفرس فيما ذا يصنع ولسان حالهم يقول : ألسنا قد قلنا لكم إنكم لا قبل لكم بقتال الأحزاب فارجعوا ، وهم يرونه أنهم كانوا على حق حين يحذرونه قتال الأحزاب ، ولذلك خصّ نظرهم بأنه للنبي صلىاللهعليهوسلم ولم يقل : ينظرون إليكم. وجيء بصيغة المضارع ليدل على تكرر هذا النظر وتجدده.
وجملة (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ) حال من ضمير (يَنْظُرُونَ) لتصوير هيئة نظرهم نظر الخائف المذعور الذي يحدّق بعينيه إلى جهات يحذر أن تأتيه المصائب من إحداها.
والدور والدوران : حركة جسم رحويّة ـ أي كحركة الرحى ـ منتقل من موضع إلى موضع فينتهي إلى حيث ابتدأ. وأحسب أن هذا الفعل وما تصرف منه مشتقات من اسم الدّار ، وهي المكان المحدود المحيط بسكانه بحيث يكون حولهم. ومنه سميت الدارة لكل أرض تحيط بها جبال. وقالوا : دارت الرحى حول قطبها. وسموا الصنم : دوارا ـ بضم