وكانت آية البقرة نزلت قبل وقعة الأحزاب بعام ، كذا روي عن ابن عباس ، وأيضا فإن النبيصلىاللهعليهوسلم أخبر المسلمين : أن الأحزاب سائرون إليكم بعد تسع أو عشر ، فلما رأى المؤمنون الأحزاب وزلزلوا راجعهم الثبات الناشئ عن قوة الإيمان وقالوا : (هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) ، أي : من النظر ومن الإخبار بمسير الأحزاب وصدّقوا وعد الله إياهم بالنصر وإخبار النبي صلىاللهعليهوسلم بمسير الأحزاب ، فالإشارة ب (هذا) إلى ما شاهدوه من جيوش الأحزاب وإلى ما يتبع ذلك من الشدة والصبر عليها وكل ذلك وعد الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم. ثم أخبروا عن صدق الله ورسوله عليه الصلاة والسلام فيما أخبرا به وصدقوا الله فيما وعدهم من النصر خلافا لقول المنافقين : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) [الأحزاب : ١٢] فالوعد راجع إلى الأمرين والصدق كذلك.
والوعد : إخبار مخبر بأنه سيعمل عملا للمخبر ـ بالفتح ـ.
ففعل (صَدَقَ) فيما حكي من قول المؤمنين (وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) مستعمل في الخبر عن صدق مضى وعن صدق سيقع في المستقبل محقق وقوعه بحيث يجعل استقباله كالمضي مثل (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] فهو مستعمل في معنى التحقق. أو هو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، ولا شك أن محمل الفعل على الصدق في المستقبل أنسب بمقام الثناء على المؤمنين وأعلق بإناطة قولهم بفعل (رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ) دون أن يقال : ولما جاءت الأحزاب. فإن أبيت استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه فاقصره على المجاز واطرح احتمال الإخبار عن الصدق الماضي.
وضمير (زادَهُمْ) المستتر عائد إلى ما عاد إليه اسم الإشارة ، أي : وما زادهم ما رأوا إلا إيمانا وتسليما ، أي : بعكس حال المنافقين إذ زادهم شكا في تحقق الوعد ، والمعنى : وما زاد ذلك المؤمنين إلا إيمانا ، أي : ما زاد في خواطر نفوسهم إلا إيمانا ، أي : لم يزدهم خوفا على الخوف الذي من شأنه أن يحصل لكل مترقّب أن ينازله العدوّ الشديد ، بل شغلهم عن الخوف والهلع شاغل الاستدلال بذلك على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما أخبرهم به وفيما وعدهم الله على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام من النصر فأعرضت نفوسهم عن خواطر الخوف إلى الاستبشار بالنصر المترقب.
والتسليم : الانقياد والطاعة لأن ذلك تسليم النفس للمنقاد إليه ، وتقدم في قوله تعالى (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) في سورة النساء [٦٥]. ومن التسليم هنا تسليم أنفسهم لملاقاة عدوّ شديد دون أن يتطلبوا الإلقاء بأيديهم إلى العدوّ وأن يصالحوه بأموالهم. فقد ذكر ابن