إسحاق وغيره أنه لما اشتدّ البلاء على المسلمين استشار رسول الله صلىاللهعليهوسلم السعدين سعد بن عبادة وسعد بن معاذ في أن يعطي ثلث ثمار المدينة تلك السنة عيينة بن حصن ، والحارث بن عوف وهما قائدا غطفان على أن يرجعا عن المدينة ، فقالا : يا رسول الله أهو أمر تحبه فنصنعه ، أم شيء أمرك الله به لا بدّ لنا من العمل به ، أم شيء تصنعه لنا؟ قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : بل شيء أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحد وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما. فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرى أو بيعا أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا إليه وأعزّنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة ، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فأنت وذاك. فهذا موقف المسلمين في تلك الشدة وهذا تسليم أنفسهم للقتال.
ومن التسليم الرضى بما يأمر به الرسول صلىاللهعليهوسلم من الثبات معه كما قال تعالى : (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء : ٦٥].
وإذ قد علم أنهم مؤمنون لقوله (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ) إلى آخره ... فقد تعين أن الإيمان الذي زادهم ذلك هو زيادة على إيمانهم ، أي : إيمان مع إيمانهم.
والإيمان الذي زادهموه أريد به مظهر من مظاهر إيمانهم القويّ ، فجعل تكرر مظاهر الإيمان وآثاره كالزيادة في الإيمان لأن تكرر الأعمال يقوّي الباعث عليها في النفس يباعد بين صاحبه وبين الشك والارتداد فكأنه يزيد في ذلك الباعث ، وهذا من قبيل قوله تعالى : (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) [الفتح : ٤] وقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) كما تقدم في سورة براءة [١٢٤] ، فكذلك القول في ضد الزيادة وهو النقص ، وإلا فإن حقيقة الإيمان وهو التصديق بالشيء إذا حصلت بمقوماتها فهي واقعة ، فزيادتها تحصيل حاصل ونقصها نقض لها وانتفاء لأصلها. وهذا هو محمل ما ورد في الكتاب والسنة من إضافة الزيادة إلى الإيمان وكذلك ما يضاف إلى الكفر والنفاق من الزيادة كقوله تعالى : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) [التوبة : ٩٧] وقوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) [التوبة : ١٢٥]. وإلى هذا المحمل يرجع خلاف الأئمة في قبول الإيمان الزيادة والنقص فيؤول إلى خلاف لفظي.